ولكنه يمضي كظلّ غمامة ... ويبقى لسمّ سرّه غير مؤتمن
يودّ الفتى طول البقاء وطوله ... يورّثه ثكل الأحبّة والبدن
وأيّ اغتباط في حياة مرزّءا ... يروح على بثّ ويغدو على شجن
زيادته نغص «١» وجدّته بلى ... وراحته كرب وهدنته دخن
إذا فوّق السّهم المصيب فقلبه ... ومن صار فيه من أحبّته فنن
فيا عجبا للمرء يلتذّ عيشه ... معايش «٢» قد لزّت مع الموت في قرن
أرى كلّ حيّ للمنيّة حاملا ... فيا ويحه ممّا تحمّل واحتضن
إذا زادت الأيام فينا إساءة ... نزيد على علم بما ساء حسن ظنّ
ولم أر مثل الموت حقّا كباطل ... وكلّ قباء «٣» ليس بالموت مرتهن
أإخواننا، لم تبق إلّا تحيّة ... أرقّي «٤» بها تلك المعاهد والدّمن
أإخواننا، هل تسمعون تحيّتي ... وذو كلم ما تحجب السّرّ والعلن؟
أبا الحسن، خلّد في الجنان منعّما ... جزاء بما أسلفت من سعيك الحسن
يطير فؤادي روعة فإذا رأى ... محيّاك في دار الغنا والرّضا سكن
وقد كنت ترتاد المواطن إذ نبت ... فبوّأك الرحمن فردوسه وطن
وبتّ معنّى بالجلاء فنلته ... وقد كان حاديه يغرّد بالظّعن
ولم ترض إلّا الأرض هجرتك التي ... تخيّرها الأولياء على القنن
وفي مثلها أنّ الرسول مهاجر «٥» ... لسعد وقد واراه أكرم مدفن
على أنك المدعوّ من كل بلدة ... هلمّ فإنّا دونك الحجب الجنن «٦»
سيرضيك من أرضيته في عباده ... وجاهدت فيه بالفروض وبالسّنن
ويبقى كما بقيت بعدك أنه ... لهم فلما استهوتهم روعة سكن
ويحفظهم حفظ اليتيمين أيّدا ... بوقع جدار قد تداعى وقد وهن
أبا الحسن، إنّ المدى، بعد ما بدا، ... طويل، ولا يعتدّ في جنب ما بطن
وأسير وجد في فراقك أنه ... سيبقى عليك الوجد ما بقي الزمن