الفضائل إلّا رحلة لم يبرك بعد حملها، ولا قرّ عملها، وأوحال حال بيني وبين مسوّر البلد القديم «١» مهلها. ولولا ذلك لا غتبطت الزّائد، واقتنيت الفوائد، والله يطيل بقاءه، حتى تتأكد القربة، التي تنسى بها الغربة، وتعظم الوسيلة، التي لا تذكر معها الفضيلة.
وأمّا ما أشار به من تقييد القصيدة التي نفق سوقها استحسانه، وأنس باستظرافها إحسانه، فقد أعمل وما أمهل، والقصور باد إذا تأمّل، والإغضاء أولى ما أمّل، فإنما هي فكرة قد أخمدت نارها الأيام، وغيّرت آثارها اللّئام. وقد كان الحق إجلال مطالعة سيدي من خللها، وتنزيه رجله عن تقبيل مرتجلها. لكنّ أمره ممتثل، وأتى من المجد أمرا لا مردّ له مثل. والسلام على سيدي من معظم قدره، وملتزم برّه، ابن الخطيب، ورحمة الله.
فكتب إليّ مراجعا، وهو المليء بالإحسان: [الكامل]
وافت يجرّ الزّهو فضلة بردها ... حسناء قد أضحت نسيجة وحدها
لله أي قصيدة أهديت لو ... يهتدي المعارض نحو غاية قصدها
لابن الخطيب بها محاسن جمّة ... قارعت عنه الخطوب ففلّت من حدّها «٢»
سرّ البلاغة عنه أودع حافظا ... قد صانه حتى فشا من عندها
في غير عقد نفثنه بسحرها «٣» ... فلذا أتى سلسا منظّم عقدها
لم أدر ما فيها وقمت معاونا ... من طرسها أو معلما من بردها
حتى دفعت بها لأبعد غاية ... باعا تقصّر في البلوغ بحدّها
حدّان من نظم ونثر إنّ من ... يلقاهما منها بذلّة عبدها
أولى يدا بيضاء موليها فما ... لي مزية من «٤» أن أقوم بحمدها
ورفضت تكذيب المنى متشيّعا ... لعلي مرآها يصادق وعدها
فبذلت شعري رافعا من برّها ... وهززت عطفي رافلا من بردها
خذها، أعزّ الله جنابك، وأدال للأنس على الوحشة اغترابك، كغبّة «٥» الطائر المتجعد، ونهبة الثائر المستوفز، ومقة اللّحظ، قليلة اللّفظ، قد جمعت من سوامها وانقحامها، بين نظم قيد، وصلود زند، ونوّعت، فعلى إقدامها وانحجامها إلى قاصر