فكما انسكب الغيث عن ظلاله، وخرج الودق من غلاله، فتدارك النّعمة عن فوتها، وأحيا الأرض بعد موتها، ذلك الشريف الأجلّ، الوزير الأفضل، أبو طالب ابن القرشي الزّهري، أدام الله اعتزازه، كما رقم في حلل الفخر طرازه، فاجتمعت به السيادة بعد افتراقها، وأشرق وجه الأرض لإشراقها، والتفّت الثياب بالثياب، وضمّ الرّكاب بالرّكاب، ولا عهد كأيام الشباب، فوصل القريب البعيد، وهنّوه كما جرت العادة بالعيد، فوقف مع ركابه وسلّمت، وجرت كلاما وبه تكلّمت، فقلت: تقبّل الله سعيك، وزكّى عملك، وبلّغك فيما تودّه أملك، ولا تأمّلت وجها من السّرور إلّا تأمّلك، ونفعك بما أوليت، وأجزل حظّك على ما صمت وصلّيت، ووافقتك لعلّ وساعدتك ليت، وهنّاك عيد الفطر وهنّأته، وبدأك بالمسرات وبدأته، وتبرّأ لك الدهر مما تحسد وبرّأته. وهكذا بحول الله أعياد واعتياد، وعمر في دوام وعزّ في ازدياد، والسّنّة تفصح بفضلك إفصاح الخطباء من إياد، وأقرأ عليك سلام الله ما أشرق الضّحى، ودام الفطر والأضحى.
دخوله غرناطة: دخل غرناطة، وتردّد إليها غير ما مرة، وأقام بها، وامتدح ابن أضحى «١» وابن هاني، وابن سعيد وغيرهم من أهلها. قال ابن سعيد في «طالعه» :
وقد وصف وصول ابن قزمان إلى غرناطة، واجتماعه بجنّته بقرية الزاوية من خارجها، بنزهون القليعية الأديبة، وما جرى بينهما، وأنها قالت له بعقب ارتجال بديع، وكان لبس غفارة صفراء: أحسنت يا بقرة بني إسرائيل، إلّا أنّك لا تسرّ النّاظرين، فقال لها: إن لم أسرّ الناظرين، فأنا أسرّ السامعين، وإنما يطلب سرور الناظرين منك، يا فاعلة يا صانعة. وتمكّن السّكر من ابن قزمان، وآل الأمر إلى أن تدافعوا معه حتى رموه في البركة، فما خرج منها إلّا وثيابه تقطر، وقد شرب كثيرا من الماء، فقال:
اسمع يا وزير ثم أنشد «٢» : [السريع]
إيه أبا بكر ولا حول لي ... بدفع أعيان وأنذال
وذات فرج «٣» واسع دافق ... بالماء يحكي حال أذيالي «٤»
غرّقتني في الماء يا سيدي ... كفّره بالتغريق في المال