وخشوعا. وكان ولده عبد الله بعده، على وتيرة حسنة من الخير والنّباهة وطيب الطّعمة، ثم جدّه الأقرب سعيد على سننه، مرب عليه بمزيد المعرفة، وحسن الخطّ.
ولما وقع بلوشة بلده، ما هو معروف من ثورة أصهارهم من بني الطّنجالي، وكان بينهم ما يكون بين الفحول في الهجمات من التّشاجر، فرّ عنهم خيفة على نفسه، وعلى ذلك فناله اعتقال طويل، عدا به عليه عن تلك الثورة. ثم بان عذره، وبرّئت ساحته، واستظهر به السلطان، وأقام بغرناطة، مكرّما، مؤثرا، مؤتمنا، وصاهر في أشراف بيوتاتها، فكانت عنده بنت الوزير أبي العلى أضحى بن أضحى الهمداني، وتوفيت تحته، فأنجز له بسببها الحظّ في الحمّام الأعظم المنسوب إلى جدّها اليوم.
ثم تزوج بنت القائد أبي جعفر أحمد بن محمد الجعدالة السّلمي، أم الأب المترجم به، ولها إلى السلطان ثاني ملوك بني نصر وعظيمهم «١» متات ببنوّة الخؤولة من جهة القوّاد الأصلاء القرطبيين بني دحون، فوضح القصد، وتأكدت الحظوة. وقد وقعت الإشارة إلى ذلك كله في محلّه. ثم رسخت لولده أبي، القدم في الخدمة والعناية، حسبما يتقرّر في موضعه.
حاله: كان، رحمه الله، فذّا في حسن الشكل والأبّهة، وطلاقة اللسان، ونصاعة الظّرف، وحضور الجواب، وطيب المجالسة، وثقوب الفهم، مشارا إليه في الحلاوة وعذوبة الفكاهة، واسترسال الانبساط، مغييا في ميدان الدّعابة، جزلا، مهيبا، صارما، متجنّدا، رائق الخصل ركضا وثقافة، وعدوا وسباحة وشطرنجا، حافظا للمثل واللّغة، أخباريا، مضطلعا بالتاريخ، ناظما نائرا، جميل البزّة، فاره المركب، مليح الشّيبة. نشأ بغرناطة تحت ترف ونعمة، من جهة أمّه وأبيه، وقرأ على أبي إسحاق بن زرقال، وأبي الحسن البلّوطي، ثم على أستاذ الجماعة أبي جعفر بن الزّبير، ظاهرة عليه مخيّلة النّجابة والإدراك. ثم أقصر لعدم الحامل على الدّؤوب، وانتقل إلى بلد سلفه، متحيّفا الكثير من الأصول في باب البذل وقرى الضّيوف، ومداومة الصّيد، وإيثار الراحة، معتمدا بالتّجلّة، مقصود الحلّة، مخطوب المداخلة، من أبناء أشراف الدولة، منتجعا لأولي الكدية. ولما قام بالأمر السلطان، أمير المسلمين أبو الوليد، وأمّه بنت السلطان ثاني الملوك من بني نصر، جزم ما تقدّم من المتات والوسيلة، استنهضه للإعانة على أمره، وجعل طريقه على بلده، فحطب في حبله، وتمسّك بدعوته، واعتمده بنزله وضيافته، وكان أعظم الأسباب في حصول الأمر بيده، ودخوله