للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الابتياع على فائدة، ولا عادت عليّ فيه من قضاء الأرب عائدة، فأومأت الإياب، وأنا أجد من خوفها ما يجد صغار الغنم من الذّئاب، إلى أن مررت بقصّاب يقصب في مجزره، قد شدّ في وسطه مئزره، وقصّر أثوابه حتى كشف عن ساقيه، وشمّر عن ساعديه حتى أبدى مرفقيه، وبين يديه عنز قد شدّ يديه في رقبته وهو يجذبه فيبرك، ويجرّه فما يتحرّك، ويروم سيره فيرجع القهقرى، ويعود إلى ورا، والقصاب يشدّ على إزاره، خيفة من فراره، وهو يقول: اقتله من جان باغ، وشيطان طاغ، ما أشدّه، وما ألذّه وما أصدّه، وما أجدّه، وما أكثره بشحم، وما أطيبه بلحم، الطّلاق يلزمه إن كان عاين تيسا مثله، أو أضحية تشبهه قبله، أضحية حفيلة، ومنحة جليلة. هنّأ الله من رزقها، وأخلف عليها رزقها. فاقتحمت المزدحم أنظر مع من نظر، وأختبر فيمن اختبر. وأنا والله لا أعرف في التقليب والتّخمين، ولا أفرّق بين العجف والسّمين، غير أني رأيت صورة دون البغل وفوق الحمار، وهيكلا يخبرك عن صورة العمّار، فقلت للقصّاب: كم طلبك فيه، على أن تمهل الثّمن حتى أوفيه؟ فقال: ابغني فيه أجيرا، وكن له الآن من الذّبح مجيرا، وخذه بما يرضي، لأول التقضّي. قلت:

استمع الصوت، ولا تخف الفوت. قال: ابتعه مني نسيّة، وخذه هديّة، قلت: نعم، فشقّ لي الضمير، وعاكسني فيه بالنّقير والقطمير، قال: تضمن لي فيه عشرين دينارا، أقبضها منك لانقضاء الحول دنيّرا دنيّرا، قلت: إنّ هذا لكثير، فاسمح منه بإحاطة اليسير. قال: والذي فلق الحبّة، وبرّأ النّسمة، لا أنقصك من هذا، وما قلت لك سمسمة، اللهمّ إن شئت السّعة في الأجل، فأقضي لك ذلك دون أجل، فجلبني للابتياع منه الإنساء في الأمد، وغلبني بذلك فلم أفتقر منه لرأي والد ولا ولد، ولا أحوجت نفسي في ذلك لمشورة أحد، وقلت: قد اشتريته منك فضع البركة، ليصحّ النّجح في الحركة. فقال: فقيه بارك الله فيه قد بعته لك، فاقبض متاعك، وثبّت ابتياعك، وها هو في قبضك فاشدد وثاقه، وهلمّ لنعقد عليك الوثاقة. فانحدرت معه لدكان التّوثيق، وابتدرت من السّعة إلى الضّيق، وأوثقني بالشادّة تحت عقد وثيق، وحملني من ركوب الدّين ولحاق الشّين في أوعر طريق. ثم قال لي: هذا تيسك فشأنك وإياه، وما أظنّك إلّا تعصياه، وأت بحمّالين أربعة فإنك لا تقدر أن ترفعه، ولا يتأتى لك أن يتبعك ولا أن تتبعه، ولم يبق لك من الكلفة إلّا أن يحصل في محلّك، فيكمل سرور أهلك. وانطلقت للحمّال وقلت: هلم إليّ، وقم الآن بين يديّ، حتى انتهينا إلى مجزرة القصّاب، والعنز يطلب فلا يصاب، فقلت: أين التّيس، يا أبا أويس؟ قال: إنه قد فرّ، ولا أعلم حيث استقرّ. قلت: أتضيع عليّ مالي، لتخيب آمالي، والله لا يحزنك بالعصا، كمن عصا، ولا رفعتك إلى الحكّام، تجري عليك منهم الأحكام. قال: ما لي علم به، ولا بمنقلبه، لعلّه فرّ لأمّه وأبيه، وصاحبته