الجامع من صحنه سنة ست عشرة، وعوّض أرجل قسيّه أعمدة الرخام، وجلب الرّءوس والموائد من قرطبة، وفرش صحنه بكذّان الصّخيرة «١» . ومن مكارمه أنه لمّا ولّي مستخلص غرناطة وإشبيلية، وجّهه أميره علي بن يوسف بن تاشفين إلى طرطوشة برسم بنائها، وإصلاح خللها، فلمّا استوفى الغاية فيها قلّده، واستصحب جملة من ماله لمؤنته المختصّة به، فلما احتلّها سأل قاضيها، فكتب إليه جملة من أهلها ممن ضعف حاله وقلّ تصرفه من ذوي البيوتات، فاستعملهم أمناء في كل وجه جميل، ووسّع أرزاقهم، حتى كمل له ما أراد من عمله. ومن عجز أن يستعمله وصله من ماله. وصدر عنها وقد أنعش خلقا كثيرا.
شعره: من قوله في مجلس أطربه سماعه، وبسطه احتشاد الأنس فيه واجتماعه «٢» : [الخفيف]
لا تلمني إذا طربت لشجو «٣» ... يبعث الأنس فالكريم طروب
ليس شقّ الجيوب حقّا علينا ... إنما الحقّ «٤» أن تشقّ القلوب
وقال، وقد قطف غلام من غلمانه نوّارة، ومدّ بها يده إلى أبي نصر الفتح بن عبيد الله «٥» ، فقال أبو نصر «٦» : [الطويل]
وبدر بدا والطّرف مطلع حسنه ... وفي كفّه من رائق النّور كوكب
يروح لتعذيب النفوس ويغتدي ... ويطلع في أفق الجمال ويغرب
فقال أبو محمد بن مالك «٧» : [الطويل]
ويحسد «٨» منه الغصن أيّ مهفهف ... يجيء على مثل الكئيب ويذهب