لمكانه من اليمانيّة بقرطبة؛ وداره بقرب قنطرتها، كانت معروفة؛ وهو بيت القيادة والوزارة، والقضاء، والكتابة، والعمل، وفيما يأتي، وما مرّ كفاية من التنبيه عليه.
حاله: قال الملّاحي: كان من جلّة الطلبة، ونبهائهم؛ وله حظّ بارع من الأدب، وكتابة مفيدة، وشعر مدوّن. قال أبو الحسن بن سعيد في كتابه المسمّى ب «الطالع»«١» : نشأ محبّا في الأدب، حافظا للشعر، وذاكرا لنظم الشريف الرّضي، ومهيار، وابن خفاجة، وابن الزّقاق، فرقّت طباعه، وكثر اختراعه وإبداعه؛ ونشأت معه حفصة بنت الحاجّ الرّكوني؛ أديبة زمانها، وشاعرة أوانها، فاشتدّ بها غرامه، وطال حبّه وهيامه؛ وكانت بينهما منادمات ومغازلات أربت على ما كان بين علوة وأبي عبادة؛ يمرّ من ذلك إلمام في شعر حفصة، إن شاء الله.
نباهته وحظوته: ولمّا وفدت الأندلس، على صاحب أمر الموحّدين في ذلك الأوان، وهو محتلّ بجبل الفتح «٢» ، واحتفل شعراؤها في القصائد، وخطباؤها في الخطب بين يديه، كان في وفد غرناطة، أبو جعفر هذا المترجم به، وهو حدث السنّ في جملة أبيه وإخوته وقومه، فدخل معهم على الخليفة، وأنشده قصيدة؛ قال أبو الحسن بن سعيد، كتبت منها من خط والده قوله «٣» : [الطويل]
تكلّم فقد أصغى إلى قولك الدّهر ... وما لسواك اليوم «٤» نهي ولا أمر
ورم كلّ ما قد شئته فهو كائن ... وحاول فلا برّ يفوت ولا بحر
وحسبك هذا البحر فألا «٥» فإنه ... يقبّل تربا داسه جيشك الغمر «٦»
وما صوته «٧» إلّا سلام مردّد ... عليك وعن بشر بقربك يفتر «٨»
بجيش لكي يلقى أمامك من غدا ... يعاند أمرا لا يقوم له أمر