للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تطلّع النفس الفقيرة، للأعراض التافهة الحقيرة، والإمامة العظمى، أجلّ عندنا وأسمى، من أن تلحظ بعينها تلك الملاحظ، ولواصل لديها مراتبها وأفكارها ببيانه وتبيانه عمرو بن بحر الجاحظ، إذ هي كافأ الله فضلها ولا قلّص ظلّها كالسّحاب، نجود بغيثها على الآكام والضّراب، ومنابت الشجر من التّراب، فضلا عن الخدمة والأتراب، فليس يضيع مع جميل نظرها ذو نسب، ولا يجهل في أيامها السّعيدة مقدار منتسب إلى حسب. وإن وقعت هفوة صغيرة، أعقبتها حسنة كبيرة، ومنن أثيرة، ونعم كثيرة. ولم لا، وروح أمرها، ومذهب نصرة جمرها، علم السادة للقادة الأكابر، المغرم بجبر كل كسير، وناهيك من به جابر الرازي، ذكر مآثره بعرف أطيب الطّيب، الوزير أبو عبد الله بن الخطيب. والمطلوب منه لهذه الشجرة الثّرما، الغريبة الشّما، التي أصلها ثابت وفرعها في السما، إنما هو يسير بنا، وظهير اعتنا، وخنجر يرما، لعل عباسة أديم دوها أن تذهب، وأكمام كباسة قنوها أن تفضّض بنعيم النضارة ثم تذهّب، ويعود إليها شرخ شبابها، وتستحكم صفرة ثيابها، وخضرة جلبابها، وذلك كله بمنّ اللطيف الخبير، من أسهل العمل على مجد الأمير، وفضل الوزير، إذ هما، دام عزّهما، على بيّنة من أن الإحسان ألقاح، والشكر نتاجه، والثناء إكليل، وهو في الحقيقة تاجه. قال المسلم: ومن يا إخوتي، لعلّي بمعارضة الحافظ أبي علي، ولو أني اشتملت شملة النّضر بن شميل، وأصبحت أفصح من عامر بن الطّفيل، وأخطب من شبيب، وأشعر من حبيب، وجزت من طرق الجدال، منازل نقدة صدور الأبدال. وعلى أنه ما قال إلّا حقّا، فبعدا للمرء وسحقا. ولكني أقسم عليكم بمقدّر الضّيا والحلك، ومسخّر نجوم الفلك، بإصابة الأعراب، وأصحاب الإغراب، وأرباب فنون الإعراب، ألا ما تأمّلتم فصول هذه المقالة، وأفتيتم بما يترجّح فيها لديكم من نسخ أو فسخ أو إجادة أو إقالة، فأنتم علماء الكلام، وزعماء كتائب الأقلام، والمراجعات بين شقاشق الرجال شنشنة معروفة، وطريقة إليها الوجوه في كثير من المخاطبات مصروفة، لا زلتم مذكورين في أهل البيان، مشكورين على بذل الفضل مدى الأحيان. والله سبحانه يجعل التّوفيق حاديكم، ونور العلم هاديكم، ومنه نسل، جلّ اسمه، التطهير من كل معابة، والسّمح فيما تخلّل هذه المقامة من دعابة، والتحية الكريمة مع السلام الطيب المعاد، يعتمد من يقف عليها من الآن إلى يوم المعاد، والرّحمات والمسرات، والبركات والخيرات، من كاتبها علي بن عبد الله بن الحسن، أرشده الله.