وجرت بين هذا السلطان وبينه المخاطبات والمراسلات. وسفّرني «١» إليه لأول الأمر، معزّيا «٢» بأبيه، ومهنّئا بما صار إليه من ملكه، واستصحبت إليه كتابا من إنشائي، نجليه بحول الله، تجميما لمن يقف على هذه الأخبار، وإن اقتحمتها ثبج الإكثار، وهو:
المقام الذي رسخت منه في مقامي الصّبر والشكر قدم، فلا يغيره وجود لا يروعه عدم، وصدقت منه في كتاب المجد عزمة لم يختلجها وهن ولا ندم، حتى تصرفت بحكم معاليه، أيام دهره ولياليه، هو ولدان وهذه خدم. مقام محل أخينا الذي إن جاشت النوائب، وسعها صدره، أو عظمت المواهب، ترفع عنها قدره، أو أظلمت الكروب جلاها بدره. أو تألبت الخطوب هزمها صبره، أو أظلّت سحائب النعم أسدرها حمد الله وشكره، أو عرضت عقود الحمد في أسواق المجد أغلاها فجره، أو راقت حلل الصنائع طرّزها ذكره، أو طبّقت سيوف الناس أغمدها صفحه، وسلّها قهره. السلطان الكذا أبقاه الله ضاحك السعد كلما بكت عين، مجموع الشّمل كلما أزف بين، واري الزّند إذا اقتضى دين، محمي الذّمار بانفساح الأعمار كلما أغار على الأحياء حين. ولا زال يقيد منه شكر الله نعما ما في وعدها ليّ ولا في قولها مين، ويلبس منها حللا تقواه في عواتقها زين. مساهمة في كل خطب غمّ، أو فضل من الله عمّ، ومقاسمة في كل ما ألمّ. وتهنئة بالملك الذي خلص وتمّ، فلان.
أما بعد حمد الله الذي جعل الصّبر في الحوادث حصنا منيعا، والشكر يستدعي المزيد من النعم سريعا، فمتى أعملت للصبر دعوة كان بها الأجر سميعا، ومتى رفعت من الشكر رقعة كان المزيد عليها توقيعا، والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي بوّأنا من السعادة جنابا مريعا، وبين له حدود أوامره ونواهيه فطوبى لمن كان مطيعا، وكان لنا في الدنيا هاديا ونجده في الآخرة شفيعا، والرضا عن آله وصحبه الذين كانوا على العداة قيظا وللعفاة ربيعا، فحلّوا من الاقتداء به فيما ساء وسرّ وأحلى وأمرّ مقاما رفيعا. وخفض عليهم مضاضة فقده، مثابرتهم على ضمّ شمل المسلمين من بعده، اقتداء بقوله سبحانه: واعتصموا بحبل الله جميعا. والدّعاء لمقامكم الأسمى بالنصر الذي يشكر منه الجياد والبيض الحداد صنيعا، وتشرح منه ألسن الأقلام تهذيبا وتقريعا، والصبر الذي زرافات الأجر قطيعا فقطيعا. فإنا كتبناه