جبال المصامدة، واحتلّ بأغمات وريكة واستوطنها. ولعبد الله أخبار غريبة وشذوذ في الأحكام، الله أعلم بصحتها. وقتل عبد الله بن ياسين برغواطة. ولم يزل الأمير أبو بكر بن عمر حتى أخذ ثأره، وأثخن القتل فيهم، وقدّم ابن عمه يوسف بن تاشفين بن إبراهيم على عسكر كبير، فيهم أشياخ لمتونة، وقبائل البرابرة والمصامدة، واجتاز على بلاد المغرب، فدانت له. وطرق الأمير أبا بكر خبر من قومه من الصحراء انزعج له، فولّى يوسف بن تاشفين على مملكة المغرب، وترك معه الثلث من لمتونة، إخوانه، وأوصاه، وطلّق زوجته زينب، وأمره يتزوّجها؛ لما بلاه من يمنها، فبنى يوسف مدينة مراكش وحصّنها، وتحبّب إلى الناس، واستكثر من الجنود والقوة، وجبى الأموال، واستبدّ بالأمر. ورجع الأمير أبو بكر من الصحراء سنة خمس وستين وأربعمائة، فألفى يوسف مستبدّا بأمره، فسالمه، وانخلع له عن الملك، ورجع إلى صحرائه، فكان بها تصله هدايا يوسف إلى أن قتله السّودان. واستولى يوسف على المغرب كله، ثم أجاز البحر إلى الأندلس، فهزم الطاغية الهزيمة الكبرى بالزلّاقة، وخلع أمراء الطّوائف، وتملّك البلاد إلى حين وفاته.
حاله: قال أبو بكر بن محمد بن يحيى الصيرفي: كان، رحمه الله، خائفا لربّه، كتوما لسرّه، كثير الدعاء والاستخارة، مقبلا على الصلاة، مديما للاستغفار، أكثر عقابه لمن تجرأ أو تعرض لانتقامه الاعتقال الطويل، والقيد الثّقيل، والضرب المبرّح، إلّا من انتزى أو شقّ العصا، فالسيف أحسم لانتثار الداء. يواصل الفقهاء، ويعظّم العلماء، ويصرف الأمور إليهم، ويأخذ فيها بآرائهم، ويقضي على نفسه وغيره بفتياهم، ويحضّ على العدل، ويصدع بالحق، ويعضّد الشّرع، ويحزم في المال، ويولع بالاقتصاد في الملبس والمطعم والمسكن، إلى أن لقي الله، مجدّا في الأمور، ملقنا للصواب، مستحبّا حال الجد، مؤدّيا إلى الرعايا حقّها، من الذّب عنها، والغلظة على عدوها، وإفاضة الأمن والعدل فيها. يرى صور الأشياء على حقيقتها، تسمّى بأمير المسلمين لما احتل الأندلس وأوقع بالروم، وكان قبل يدعى الأمير يوسف، وقامت الخطبة فيها جميعا باسمه، وبالعدوة، بعد الخليفة العباسي. وكان درهمه فضّة، ودنيره تبر محض، في إحدى صفحتي الدّنير «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» ، وتحت ذلك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وفي الداير:«ومن يتّبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» . وفي الصفحة الأخرى:
«الإمام عبد الله أمير المسلمين» ، وفي الداير: تاريخ ضربه وموضع سكّته، وفي جهتي الدرهم ما حمله من ذلك.