محبّا في الخير. حدّثني أبي عن أمّه، قالت: قلّما تهنّأنا نحن وأبوك طعاما حافلا لإيثاره به من كان يكمن بمسجد جواره، من أهل الحاجة، وأحلاف الضرورة، يهجم علينا منهم بكل وارش «١» ، يجعل يده ثني يده «٢» ، ويشركه في أكيلته، ملتذّا بموقعها من فؤاده. توفي «٣» في ربيع الآخر من عام ثلاثة «٤» وثمانين وستمائة، صهرته الشمس مستسقيا في بعض المحول، وقد استغرق في ضراعته، فدلّت الحتف على نفسه.
وتخلّف والدي، نابتا في التّرف نبت العلّيق، يكنفه رعي أيّم «٥» ، تجرّ ذيل النعمة «٦» ، وتحنو منه على واحد تحذر عليه الحولى من ولد الذر «٧» ، ففاته لترفه حظّ كبير من الاجتهاد. وعلى ذلك فقرأ على الخطيب أبي الحسن البلّوطي، والمقرئ أبي عبد الله بن مستقور «٨» ، وأبي إسحاق بن زورال، وخاتمة الجلّة أبي جعفر بن الزّبير، وكان يفضّله. وشارك «٩» أهل عصره في الرّواية المستدعاة عن أعلام المشرق، كجار الله أبي اليمن وغيره. وانتقل إلى لوشة بلد سلفه، مقيما للرسم «١٠» ، مخصوصا بلقب الوزارة، مرتّبا بعادة التّرف «١١» ، إلى أن قصدها السلطان أبو الوليد، متخطّيا إلى الحضرة، هاويا إلى ملك البيضة «١٢» ، وأجزل نزله، وعضّد أمره، وأدخله بلده، لدواع يطول استقصاؤها. ولمّا تمّ له الأمر، صحبه «١٣» إلى دار ملكه، مستأثرا بشقص ١»
عريض من دنياه. وكان من رجال الكمال، طلق الوجه، أنيق المجلس، حلو النادرة، مستوليا على كثير من الخصل، متجنّدا مع الظرف، تضمّن كتاب «التّاج المحلّى» و «الإحاطة» جزءا رائعا «١٥» من شعره، وفقد في الكائنة العظمى بطريف، يوم الاثنين السابع «١٦» من جمادى الأولى عام «١٧» أحد وأربعين وسبعمائة، ثابت الجأش، غير جزوع ولا هيّابة. حدّث «١٨» الخطيب بالمسجد الجامع من غرناطة، الفقيه أبو