عاهدت الله على ذلك، وشرحت صدري إلى «١» الوفاء به، وجنحت إلى الانفصال لبيت الله الحرام نشيدة أملي، ومرمى نيّتي، فعلق بي علوق الكرمة، وصارفني بدار العبرة، وخرج لي عن الضرورة، وأراني أنّ مؤازرته أبرّ القربة «٢» ، وراكنني إلى عهد بخطه، فسح لعامين أمد الثّواء، واقتدى بشعيب صلوات الله عليه، في خطب «٣» الزيادة، وعلى تلك النّسبة، وأشهد من حضر من العلية. ثم رمى إليّ بعد ذلك مقاليد رأيه، وحكم عذلي «٤» في اختبارات عقله، وغطّى على «٥» جفائي بحلمه، وحثا في وجوه شهواته بتراب زجري، ووقف القبول على وعظي، واستنزل «٦» هواي في التحوّل، نابيا «٧» عن قصدي، واعترف بقبول نصحي، فاستعنت الله عليه، وعاملت وجهه فيه، من غير تلبّس بخديعة «٨» ، ولا تشبّث بولاية، مقتصرا على الكفاية، حذرا من النّقد، خامل المركب، معتمدا على المنسأة «٩» ، مستمتعا بخلق النّعل، راضيا بغير النّبيه من الثّوب، مشفقا من موافقة الغرور، هاجرا للزخرف «١٠» ، صادعا بالحقّ في أسواق الباطل، كافّا عن السّخال «١١» براثن السباع، مفوّتا للأصول في سبيل الصّدقة. ثم صرفت الفكر إلى بناء الزاوية والمدرسة والتربة، بكر الحسنات بهذه الخطّة، بل بالجزيرة فيما سلف من المدّة، فتأتى بمنّة الله من صلاح السلطان، وعفاف الحاشية، ونشر «١٢» الأمن، وروم الثغور، وتثمير الجباية، وإنصاف الحماة والمقاتلة، ومقارعة الملوك المجاورة في إيثار المصلحة الدّينية، والصّدع فوق المنابر، ضمانا عن السلطان بترياق سمّ الثورة، وإصلاح بواطن الخاصّة والعامّة ما الله المجازي عليه، والمعوّض من سهر خلعته على أعطافه، وكدّ أعملته من جرّائه، وخطر اقتحمته من أجله، لا للثّريد الأعفر، ولا للجرد تمرح في الأرسان، ولا للبدر تثقل الأكتاد «١٣» ، فهو الذي لا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، سبحانه إليه الرّجعى، والآخرة والأولى. ومع ذلك فقد عادت هيف إلى أديانها من الاستهداف للشّرور، والاستعراض للمحذور، والنّظر الشّزر المنبعث من خزر العيون، شيمة من ابتلاه الله بسياسة الدّهماء،