البروج في زهرها، والأفنية في إيوانها، والأندية في شعب بوّانها «١» ، لو رآها النعمان لهجر سديره، أو كسرى لنبذ إيوانه وسريره، أو سيف لقصّر عن غمدانه، أو حسّان لترك جلّق «٢» لغسّانه: [الطويل]
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي ... وأول أرض مسّ جلدي ترابها
فإذا قضيت من فرض السلام ختما، وقضت من فاره الثّناء حتما، ونفضت طيب عرارها على تلك الأنداء، واقتطفت أزاهر محامدها أهل الودّ القديم والإخاء، وعمّت من هنالك من الفضلاء، وتلت سور آلائها على منبر ثنائها، وقصّت وعطفت على من تحمل من الطلبة بشارتهم، وصدرت عن إشارتهم، وأنارت نجما حول هالتهم المنيرة ودارتهم، فهناك تقصّ أحاديث وجدي على تلك المناهج، لا إلى صلة عالج، وشوقي إلى تلك العليا، لا إلى عبلة، والجزا إلى ذلك الشريف الجليل، فسقى الله تلك المعاهد غيداقا «٣» يهمي دعاؤها، ويغرق روضها إغراقا، حتى تتكلّل منه نحور زندها درّا، وترنو عيون أطراف نرجسها إلى أهلها سررا، وتتعانق قدود أغصانها طربا، وتعطف خصور مذانبها على أطراف كثبانها لعبا، وتضحك ثغور أقاحيها «٤» عند رقص أدواحها عجبا، وتحمّر خدود وردها حياء، وتشرق حدائق وردها سناء، وتهدي إلى ألسنة صباها خبر طيبة «٥» وإنباء، حتى تشتغل المطريّة عن روضتها المردودة، والمتكلّىء عن مشاويه المجودة، والبكري عن شقائق رياض روضته النديّة، والأخطل عن خلع بيعته الموشيّة. فما الخورنق «٦» وسراد، والرّصافة وبغداد، وما لفّ النّيل في ملأته كرما إلى أفدين سقايته، وحارته غمدان عن محراب، وقصر وابرية البلقاء عن غوطة ونهر، بأحسن من تلك المشاهد التي تساوي في حسنها الغائب والشاهد. وما لمصر تفخر بنيلها، والألف منها في شنيلها «٧» ، وإنما زيدت الشين هنالك ليعد بذلك: