نصر، يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعمائة، بالهجوم على أخيه أبي عبد الله الزّمن المقعد، الآمن في ركن بيته، واغتيال ابن الحكيم وزيره ببابه، والإشادة بخلعه حسبما يأتي في موضعه، استقرّ الأمر على ضعف أخيه، وسارع دخلته، فساءت السّيرة لمنافسة الخاصّة، وكان الرئيس الكبير عميد القرابة، وعلم الدولة أبو سعيد فرج، ابن عمّ السلطان المخلوع، وأخيه الوالي بعده، راسخا قدمه وعرفه، بمثوبة الوارث، ولنظره عن أبيه المسوّغ عن جدّه مالقة وما إليها، ولنظره مدينة سبتة، المضافة إلى إيالة المخلوع عن عهد قريب، قد أفرد بها ولده المترجم به، وجميعهم تحت طاعته، وفي زمان انقياد سوغ مديد الدولة، بل مدّ سروها لما شاء عزّ وجلّ من احتوائهم في حبل هذا الدايل، يتعقبون على الرئيس الكبير أمورا تثرّ مخيمة الصدور، وتستدعي فرض الطاعة، وتحتوي على مظنّات مخلة، واحترسوا صافيات منافعه، وأوعزوا إلى ولاة الأعمال بالتضييق على رجاله، وصرفوا سننه عن نظره. ولمّا بادر إلى الحضرة لإعطاء صفقة البيعة وتهنئة السلطان نصر عن روحه وابن عمّه، على عادته، داخله بعض أرباب الأمر، محذّرا، ومشيرا بالامتناع ببلده، والدّعاء لنفسه، ووعده بما وسعه، فاستعجل الانصراف إلى بلده، ولم تمرّ إلّا برهة، واشتعلت نار الفتنة، وهاجت مراجل الحفيظة، فتلاحق به ولده، وأظهر الانفراد والاستعداد في سابع عشر رمضان من هذا العام. وأقام ولده إسماعيل، برسم الملك والسلطان، ورتّب له ألقاب الملك، ودوّن ديوان الملك بحسبه، ونازل حضرة أنتقيرة، وناصبها القتال، فتملّكها؛ ودخلت مربلّة في طاعته، وتحرّك إلى بلّش فنازلها، ونصب عليها المجانيق فدانت، فضخمت الدعوة، ومكنت الجباية، والتفّ إليه من مساعير الحروب ومن أجاب.
وتحرّك إلى غرناطة في أول شهر محرم، عام اثني عشر وسبعمائة، ونزل بقرية العطشا من مرجها. وبرز السلطان نصر في جيش خشن «١» ، مستجاد العدّة، وافر الرّجل «٢» ، فكان اللقاء ثالث عشر الشهر، فأظهر الله أقلّ الفئتين «٣» ، وانجرّت على الجيش الغرناطي الهزيمة، وكبا بالسلطان نصر فرسه في مجرى سقي لبعض الفدن، فنجا بعد لأي ودخل البلد مفلولا، وانصرف الجيش المالقي ظاهرا إلى بلده. وطال بالرئيس وولده الأمر وضرّستها الفتنة، وعظم احتياجه إلى المال، وكادت تفضحه المطاولة، وزاحمه الملك بمكلف ضخم، فاقتضى ذلك إذعانه إلى الصلح، وإصغاره المهادنة، على سبيله من المقام ببلده، مسلّما للسلطان في جبايته، جارية وطائفة في رئاسته، وأرزاق جنده، فتمّ ذلك في ربيع الأول من العام المذكور. ثم لقحت فتنة في العام