خطوطهم وبيعاتهم، فأفتى بقتلهم، فقتل جماعتهم، وهم نحو مائة رجل «١» ، واتّصل البحث عمّن أفلت منهم، وصرف عزمه إلى محو آثار دولة الموحّدين، وتغيير رسمها، فأزال اسم مهديها عن الخطبة والسّكّة والمآذن، وقطع النداء عند الصلاة «تاصليت الإسلام» وكذلك «منسوب رب»«وبادرى»«٢» ، وغير ذلك، مما جرى عليه عمل الموحّدين؛ وأصدر في ذلك رسالة حسنة، من إنشائه، يأتي ذكرها في موضعه.
وعند انصرافه من الأندلس، خلا للأمير أبي عبد الله بن هود الجوّ، بعد وقائع خلت بينهما، وانتهز النصارى الفرصة؛ فعظمت الفتنة، وجلّت المحنة.
دخوله غرناطة: لم يصحّ عندي أنه دخل غرناطة، مع غلبة الظن القريب من العلم بذلك، إلّا طريقه إلى مدافعته المتوكل بن هود بجهة مرسية؛ فإنه تحرك لمعالجة أمره في جيش إشبيلية باستدعاء أخيه السيد أبي زيد، والي بلنسية، بعد هزائم جرت بصقع الشرق لابن هود؛ فتحرك المأمون إليه، واحتلّ غرناطة، في رمضان من عام خمسة وعشرين وستمائة، وأنفذ منها كتابه إلى أخيه، يقوّي بصيرته، ويعلمه بنفوذه إليه؛ والتفّ عليه جيش غرناطة وما والاها، واتصل سيره إلى الشرق، فبرز ابن هود إلى لقائه، فكان اللقاء بخارج لورقة، فانهزم ابن هود، وفرّ إلى مرسية، وعساكر الموحدين في عقبه؛ واستقصاء مثل هذا يخرج عن الغرض.
وخاطب لأول أمره، وأخذ الناس ببيعته من بأقطار الأندلس، صادعا بالأمر المعروف، والنّهي عن المنكر، والحضّ على الصلوات وإيتاء الزكاة، وإيتاء الصدقات، والنهي عن شرب الخمر والمسكرات والتحريض على الرعاية، فمن كتابه:
«الحمد لله الذي جعل الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر أصلين يتفرّع منهما مصالح الدنيا والدين، وأمر بالعدل والإحسان، إرشادا إلى الحق المبين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد النبي الكريم، المبعوث بالشريعة التي طهرت الجيوب من الأدران، واستخدمت بواطن القلوب وظواهر الأبدان، طورا بالشدة، وتارة باللّين؛ القائل، ولا عدول عن قوله: «ومن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه» تنبيها على ترك الشكّ لليقين؛ وعلى آله أعلام الإسلام، الملقين راية الإسلام باليمين، الذين مكّنهم الله في الأرض، فأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وفاء بالواجب لذلك التمكين.