للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سقت أبارقها للنّدّ سحب ندى ... تحدو برعد لأوتار وألحان «١»

والبرق من كلّ دنّ «٢» ساكب مطرا ... يحيي به ميت أفكار وأشجان

هذا النعيم الذي كنّا نحدّثه ... ولا سبيل له إلّا بآذان

فقال أبو بكر بن سعيد: «ولا سبيل له إلّا بآذان» «٣» ، فقال: حتى يبعث الله ولد زنا كلما أنشدت هذه الأبيات، قال: وإن قائلها أعمى، فقال: أمّا أنا، فلا أنطق بحرف في ذلك، فقال: من صمت نجا. وكانت نزهون بنت القلاعي، الآتي ذكرها، حاضرة، فقالت: ونراك يا أستاذ، قديم النغمة «٤» ، بندّ وغناء وطيب شراب، تتعجب من تأتّيه، وتشبّهه بنعيم الجنة، وتقول: ما كان يلمّ إلّا بالسّماع، ولا يبلغ إليه إلّا بالعيان؟ لكن من يجيء من حصن المدوّر، وينشأ بين تيوس وبقر، من أين له معرفة بمجالس النّغم «٥» ؟ فلما استوفت كلامها تنحنح الأعمى، فقالت له: دعه «٦» ، فقال: من هذه الفاعلة «٧» ؟ فقالت: عجوز مقام أمّك، فقال:

كذبت، ما هذا صوت عجوز، إنما هذه نغمة قحبة محترقة تشمّ روائح كذا «٨» منها على فرسخ «٩» ، فقال له أبو بكر: يا أستاذ، هذه نزهون بنت القلاعي الشّاعرة الأديبة، فقال: سمعت بها لا أسمعها الله خيرا، ولا أراها إلّا أيرا «١٠» . فقالت له:

يا شيخ سوء تناقضت، وأيّ خير أفضل للمرأة ممّا ذكرت «١١» ؟ ففكّر المخزومي ساعة ثم قال: [الطويل]

على وجه نزهون من الحسن مسحة ... وإن كان قد أمسى من الضّوء عاريا «١٢»