وفاته: وإلى هذا العهد مات؛ وغرت عليه من رؤوس الجند، من قبائل العدوة، الصّدور، وشحنت عليه القلوب غيظا؛ وكان شرها لسانه، غير جزوع ولا هيّاب «١» ، فربما يتكلّم بملء فيه من الوعيد الذي لا يخفى على المعتمد به. وفي ثاني يوم من إقلاع الطاغية من الجبل «٢» ، وهو يوم الأربعاء الثاني «٣» عشر من ذي حجة، وقد عزم على ركوب البحر من ساحل مربلة «٤» ، فهو مع وادي ياروا من ظاهر جبل الفتح، تخفيفا للمؤونة، واستعجالا للصّدور، وقد أخذت على حركته المراصد؛ فلمّا توسّط كمين القوم، ثاروا إليه وهو راكب بغلا أثابه به ملك الروم، فشرعوا في عتبه بكلام غليظ، وتأنيب قبيح، وبدأوا بوكيله فقتلوه، وعجّل بعضهم بطعنه، وترامى عليه مملوك من مماليك أبيه، زنمة «٥» من أخابيث العلوج يسمّى زيانا، صونع على مباشرة الإجهاز عليه، فقضى لحينه بسفح «٦» الربوة الماثلة، يسرة العابر للوادي ممّن يقصد جبل الفتح «٧» ، وتركوه بالعراء «٨» بادي البوار، مسلوب البزّة، سييء المصرع، قد عدت عليه نعمه، وأوبقه سلاحه، وأسلمه أنصاره وحماته.
ولمّا فرغ القوم من مبايعة أخيه السلطان «٩» أبي الحجاج، صرفت الوجوه يومئذ «١٠» إلى دار الملك، ونقل القتيل إلى مالقة، فدفن على حاله تلك برياض تجاور منية السّيد، فكانت وفاته ضحوة يوم الأربعاء الثالث عشر لذي «١١» حجة من عام ثلاثة «١٢» وثلاثين وسبعمائة. وأقيمت على قبره «١٣» بعد حين قبّة، ونوّه بقبره. وهو اليوم «١٤» ماثل رهن غربة، وجالب عبرة، جعلنا الله للقائه على حذر وأهبة، وبلوح الرخام الماثل عند رأسه مكتوب: