الذي يميّز الخبيث من الطيب والشّبه من الإبريز؟ أمنابذة والنواصي بيده «١» ؟ أغرورا في الشدائد «٢» بالأمل والرجوع بعد إليه؟. من يبدأ الخلق ثم يعيده؟ ثم «٣» ينزل الرزق ويفيده؟ من يرجع إليه في الملمّات؟ من يرجّى في الشدائد والأزمات؟ من يوجد في المحيا والممات؟ أفي الله شكّ يختلج القلوب؟ أم «٤» غير الله يدفع المكروه، وييسّر المطلوب؟ تفضلون على اللجإ إليه في الشدائد، بواسم الجهل «٥» ، وثرّة الأهل «٦» وطائفة منكم قد برزت إلى استسقاء رحمته، تمدّ إليه الأيدي والرقاب، وتستكشف بالخضوع لعزته «٧» العقاب، وتستعجل إلى مواعد «٨» إجابته الارتقاب، وكأنكم أنتم «٩» عن كرمه قد استغنيتم، أو على الامتناع من الرجوع إليه بنيتم. أما تعلمون كيف كان نبيّكم صلوات الله وسلامه عليه من التبلغ باليسير، والاستعداد إلى دار الرحيل «١٠» الحقّ والمسير، ومداومة الجوع، وهجر الهجوع، والعمل على الإياب إلى الله والرجوع؛ دخلت عليه «١١» فاطمة، رضي الله عنها، وبيدها كسرة شعير، فقال: ما هذه «١٢» يا فاطمة؟ فقالت: يا رسول الله، خبزت قرصة، وأحببت أن تأكل منها.
فقال: يا فاطمة، أما أنه أول طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاث؟ وكان صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم سبعين مرة، يلتمس رحماه، ويقوم وهو المغفور له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، حتى تورّمت «١٣» قدماه، وكان شأنه الجهاد، ودأبه الجدّ والاجتهاد، ومواقف صبره تعرفها الرّبى والوهاد. فإذا لم تقتدوا به فبمن تقتدون؟ وإذا لم تهتدوا بهديه «١٤» فبمن تهتدون؟ وإذا لم ترضوه باتّباعكم فكيف تعتزون «١٥» إليه وتنتسبون؟ وإذا لم ترغبوا في الاتّصاف بصفاته غضبا لله تعالى وجهادا، وتقللا من العرض الأدنى وسهادا، ففيم ترغبون؟ فابتروا حبال الآمال، فكلّ آت قريب، واعتبروا بمثلات ما دهم «١٦» من تقدم من أهل البلاد والقواعد، فذهولكم عنها غريب، وتفكّروا في منابرها التي كان «١٧» يعلوها واعظ أو خطيب، ومطيل ومطيب، ومساجدها المتعدّدة الصفوف، والجماعات