بها ولده وأهله، ولجأ إليها بعض من خدّامه ممن لا يقبل مهدنة ضدّه، ولا يقرّ أمان عدوه، والتفوا على صغير من ولده كالنّحل على شهده، ولجأوا إلى المسلمين، فبغّض عليهم الكرّة والفتح بقاء هذا الشّجى المعترض في حلقه، وأهمّه تغيير أمره، وجعجع به المسلمون لأجله، وأظهروا لمن انحاز بقرمونة الامتساك بعهده، فعظم الخرق، وأظهر الله نجح الحيلة، وصدّق بها المخيّلة، وتفتّر الأمر، وخمدت نار ذلك الإرجاف، واشتغل الطاغية بقرمونة، بخلال ما خوطب به صاحب الأرض الكبيرة «١» ، فطمّعه في المظاهرة، وتحطّب له ملك قشتالة، وعقد السّلم مع صاحب برطغال «٢» والأشبونة، ونشأت الفتن بأرضهم، وخرجت عليهم الخوارج، فأوجب إزعاجه إلى تلك الجهة، وإقرار ما بالبلاد المجاورة للمسلمين من الفرسان والحماة تقاتل وتدافع عن أحوازها، وجعل الخصص موجّهة قرمونة، وانصرف إلى سدّ الفتوق التي عليه بلطف الحيلة، ببواطن أرضه، وأحشاء عمالته، وصار في ملكه أشغل من ذات النّحيين، فساغ الرّيق، وأمكن العذر، وانتهز الغرّة، واستؤنفت الحركة، فكانت إلى حصن منتيل والحويز، ففتحهما الله في رمضان من عام سبعين وسبعمائة، ثم إلى ثغر روطة، ففتحه الله عن جهد كبير، واتصل به حصن زمرة، فأمّن الإسلام عادية العدوّ بتلك الناحية، وكبس أهل رندة بإيعاز من السلطان إليها وإلى من بالجبل، جبل الفتح، حصن برج الحكيم والقشتور، فيسّر الله فتحهما في رمضان أيضا.
ثم كانت الحركة إلى الجزيرة الخضراء «٣» ، باب الأندلس، وبكر الفتح الأول، فكانت الحركة إليها شهر ذي الحجة من العام المذكور. ووقع تحريض الناس بين يدي قصدها في المساجد بما نصّه:
معاشر المسلمين المجاهدين، وأولي الكفاية عن ذوي الأعذار من القاعدين، أعلى الله بعلوّ أيديكم كلمة الدين، وجعلكم في سوى الأجر والفخر من الزاهدين، اعلموا، رحمكم الله، أن الإسلام بالأندلس ساكن دار، والجزيرة الخضراء بابه، ومبعد مغار، والجزيرة الخضراء ركابه، فمن جهتها اتصلت في القديم والحديث أسبابه، ونصرته على أعدائه وأعداء الله أحبابه، ولم يشكّ العدو الكافر الذي استباحها، وطمس بظلمة الكفر صباحها، على أثر اغتصابها، واسوداد الوجوه المؤمنة لمصابها، وتبديل محاربها، وعلوق أصله الخبيث في طيّب تراثها، أن صريع الدين الحنيف بهذا الوطن الشريف لا ينتعش ولا يقوم، بعد أن فري الحلقوم، وأن الباقي