للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسح فيه الغمام بقطرة، ولا لمعت السماء بنزعة، حتى أضرّت الأنفس الشحّ، وحسر العسر عن ساقه، وتوقفت البذور، فساعده الجدّ بنزول الرّحمة عند نزوله من مرقاة المنبر، مجابة دعوة استسقائه، ظاهرة بركة خشوعه، ولذلك ما أنشدته في تلك الحال «١» : [الكامل]

ظمئت إلى السّقيا الأباطح والرّبا ... حتى دعونا العام عاما مجدبا

والغيث مسدول الحجاب وإنما ... علم الغمام قدومكم فتأدّبا

وتولى النظر في الأحكام فأجال قداحها، مضطلعا بأصالة النظر، وإرجاء المشبّهات، وسلك في الخطابة طريقة مثلى، يفرغ في قوالب البيان أغراضها، ويصرف على الأحكام الكوائن والبساطات أساليبها، من المحاكاة، باختلاف القبض والبسط، والوعد والوعيد، حظوظها على مقبض العدل، وسبب الصواب يقوم على كثير مما يصدع به، من ذلك شاهد البديهة، ودليل الاستيعاب. قال شيخنا أبو البركات: ثم صرفت عنها للسبب المتقدم، وبقيت مقيما بها، لما اشتهر من وقوع الوباء بألمريّة، ثم أعدت إلى القضاء والخطابة بألمرية، وكتب بذلك في أوايل رجب عام تسعة وأربعين. وبقيت على ذلك إلى أن صرفت بسبب ما ذكر. ثم أعدت إليها في أواخر رجب سنة ست وخمسين، عسى أن يكون الانقطاع لله سبحانه. فأنا الآن أتمثل بما قاله أبو مطرّف «٢» بن عميرة رحمه الله: [الخفيف]

قد نسبنا إلى الكتابة يوما ... وأتت «٣» خطّة القضاء تليها

وبكلّ لم نطق للمجد إلّا ... منزلا نابيا وعيشا كريها

نسبة بدّلت فلم تتغيّر ... مثل ما يزعم المهندس فيها

بدّل من لفظ الكتابة إلى الخطابة. وأغرب ما رأيت ما أحكي لك، وأنت أعلم ببعض ذلك، أن أفضل ما صدر عني في ذلك، الخطة من العمل الذي أخلصت لله فيه، ورجوت منه المثوبة عليه، وفيه مع ذلك مفتخر لمن أراد أن يفتخر غير ملتفت للدنيا، فعليه عوّلت سبحانه. انتهى كلامه.

تصانيفه: كتب إليّ بخطّه ما نصه، وهو فصل من فصول: وأما تواليفي فأكثرها، أو كلها عير متمّمة، في مبيّضات. منها كتاب قد يكبو الجواد في أربعين