ومن الملح قوله: قال: وبتّ بحمام الخندق من داخل ألمرية ليلة الجمعة الثامن من شهر محرم عام اثنين وثلاثين منفردا، فطفىء المصباح، وبقيت مفكرا، فخطر ببالي ما يقول الناس من تخيّل الجنّ في الأرحاء والحمامات، وعدم إقدام كافة الناس إلّا ما شذّ عند دخولها منفردين بالليل، لا سيما في الظلام، واستشعرت قوة في نفسي عند ذلك، أعراض وأوهام، فقلت مرتجلا، رافعا بذلك صوتي: [الكامل]
زعم الذين عقولهم قدرها ... إن عرّضت للبيع غير ثمين
أن الرّحا معمورة بالجن وال ... حمّام عندهم كذا بيقين
إن كان ما قالوه حقا فاحضروا ... للحرب هذا اليوم من صفّين
فلئن حضرتم فاعلموا بحقيقة ... بأني مصارع قيس المجنون
قال: ودخلت رياضا يوما، فوجدت كساء منشورا للشمس لم أعرفه من حوائجي، ولا من حوائج حارسة البستان، فسألتها فقالت: هو لجارتي، فقلت:
[الكامل]
من منصفي من جارتي جارت على ... مالي كأني كنت من أعدائها
عمدت إلى الشمس التي انتشرت على ... أرضي وأمّت فيه بئس كسائها
لولا غيوم يوم تيبس الكسا ... سرّت لحجب السّحب جلّ ضيائها
لقضيت منهم الخسار لأنني ... أصبحت مزورا على بخلائها
قلت: وصرت إلى مغنى بحمّة بجّانة «١» ، وسار معي كلب كان يحرس رياضي اسمه قطمير، وهو، فيما يذكر، كلب أهل الكهف، في بعض الأقوال، فتبعني من ألمريّة إلى الحمّة، ثم من الحمّة إلى ألمرية، فقلت: [المتقارب]
رحلت وقطمير كلبي رفيقي ... يونس قلبي بطول الطريق
فلمّا أنخت أناخ حذائي ... يلاحظني لحظ خلّ شفيق
ويرعى أذمّة رفقي كما ... يتغنّى الصديق الصدوق
على حين قومي بني آدم ... بلؤمهم لم يوفوا حقوقي
ولا فرق بين الأباعد منهم ... وبين أخ مستحب شفيق
أو ابن متى تلقاه تلقه ... هويّ اشتياق بقلب خفوق