للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بناه الأمير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم، أمير المؤمنين الخليفة «١» بقرطبة، رحمه الله، على تأسيس حنش بن عبد الله الصّنعاني الشافعي، رحمه الله، وعلى محرابه لهذا الوقت: «بسم الله العظيم، بنيت لله؛ أمر ببنائها الأمير محمد بن عبد الرحمن، أكرمه الله، رجاء ثوابه العظيم؛ وتوسيعا لرعيته؛ فتمّ بعون الله على يدي عبد الله بن عبد الله، عامله على كورة إلبيرة في ذي قعدة سنة خمسين ومائتين» .

ولم تزل الأيام تخيف ساكنها، والعفاء يتبوّأ مساكنها، والفتن الإسلامية تجوس أماكنها، حتى شملها الخراب، وتقسّم قاطنها الاغتراب، وكلّ الذي فوق التّراب تراب. وانتقل أهلها مدة أيام الفتنة البربريّة «٢» سنة أربعمائة من الهجرة، فما بعدها، ولجأوا إلى مدينة غرناطة، فصارت حاضرة الصّقع، وأمّ المصر، وبيضة ذلك الحقّ، لحصانة وضعها، وطيب هوائها، ودرور مائها، ووفور مدتها، فأمن فيها الخائف، ونظم النّشر، ورسخت الأقدام، وتأثّل المصر، وهلمّ جرّا. فهي بالأندلس، قطب بلاد الأندلس، ودار الملك، وقرى الإمارة، أبقاها الله متبوّأ الكلمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بقدرته.

من «كتاب إلبيرة» «٣» ، قال: بعد ذكر إلبيرة، وقد خلفها بعد ذلك كله مدينة غرناطة من أعظم مدنها وأقدمها، عندما انقلبت العمارة إليها من إلبيرة، ودارت أفلاك البلاد الأندلسية، فهي في وقتنا هذا قاعدة الدّنيا، وقرارة العليا، وحاضرة السلطان، وقبّة العدل والإحسان. لا يعدلها في داخلها ولا خارجها بلد من البلدان، ولا يضاهيها في اتّساع عمارتها، وطيب قرارتها، وطن من الأوطان. ولا يأتي على حصر أوصاف جمالها، وعدّ أصناف جلالها، قلم البيان. أدام الله فيها العزّ للمسلمين والإسلام، وحرسها ومن اشتملت عليه من خلفائه، وأنصار لوائه، بعينه التي لا تنام، وركنه الذي لا يرام.

وهذه المدينة من معمور الإقليم الخامس «٤» ، يبتدئ من الشرق، من بلاد يأجوج ومأجوج، ثم يمرّ على شمال خراسان، ويمرّ على سواحل الشام، ممّا يلي