سلكنا للهوى والعقل فيها ... مسالك قد جلين على الشّتات
قضينا بعض حقّ النفس فيها ... وحقّ الله مرعيّ الثّبات
فلم نر قبله في الدهر وقتا ... بدت حسناته في السيّئات
ثم رأيت بعد ذلك على هذا:[مخلع البسيط]
لا وليال على المصلّى ... تسرق في نسكها الذنوب
فوقعت ساقي على حافر هذا المحروم، إلا أني جرّدت ذلك في المعنى، وأوضحته، وجلوته على كرسي التّقعيد والتّنجيد، فلولا التاريخ لعاد سارق البرق.
نثره: وأمّا نثره، فنمط مرتفع عن معتاد عصره، استنفارا وبلاغة، واسترسالا وحلاوة، قلّما يعرّج على السّجع، أو يأمر على التّكليف، وهو كثير بحيث لا يتعيّن عيونه، ولكن نلمع منه نبذة، ونجلب منه يسيرا. كتب إليّ عند إيابي من الرّسالة إلى ملك المغرب، متمثّلا ببيتين لمن قبله، صدّر بهما «١» : [السريع]
أيتها «٢» النفس إليه اذهبي ... فحبّه المشهور من مذهبي
أيأسني «٣» التّوبة من حبّه ... طلوعه شمسا من المغرب
بل محلّك أمثل من التمثيل بالشمس، فلو كان طلوعك على هذه الأقطار شمسا، لأصبح جلّها لك عبّاد. ولو كان نزولك مطرا لتكيّفت الصّخور ترابا دمثا.
ولولا معرفتنا معشر إخوان الصّفا، بإقرار أنفسنا، لحكمنا بأن قلوبنا تمائم لأصدقائنا، ولكن سبقت عيون السعادة بالكلّات، فلو تصادف بالرضى محلّا؛ لأنّ تحصيل الحاصل محال، لا زلت محروسا، بعين الذي لا تأخذه سنة ولا نوم مكنوفة ببركة الذي يرومه رائم، والسلام.
وكتب إليّ عند ما تقلّدت من رئاسة الإنشاء ما تقلدت: تخصكم يا محلّ الابن الأرضى ولادة، والأخ الصادق إخلاصا وودّا، خصّكم الله من السعادة بأعلاها مرقى، وأفضلها عقبى، وأحمدها غنى، وأكرمها مسعى، تحيّة اللهفان إلى أيام لقائك، المسلى عنها بتأميل العود إليها، المزجى أوقاته بترداد الفكر فيها، محمد بن الحاج، أبقاه الله، عن شوق، والذي لا إله إلّا هو، لم أجد قط مثله إلى وليّ حميم. والله على ما نقول وكيل، معرّفا أنني بعلاقمه، وتصليني عن كسره مجامعه، لما اعتنى به