ولايته: قدم على الحضرة في دولة الخامس من ملوك بني نصر «١» ، كما استجمع شبابه، يفهق علما باللسان، ومعرفة بمواقع البيان، وينطق بالعذب الزّلال من الشعر، فسهّل له كنف البر، ونظم في قلادة كتاب الإنشاء، وهو إذ ذاك ثمينة الخزرات، محكمة الرّصف، فشاع فضله، وذاع رجله. ثم تقدم، فنقل من طور الحكم، إلى أن قلّد الكتابة والقضاء والخطابة بالحاضرة، بعد ولاية غيرها التي أعقبها ولاية مالقة في الرابع من شهر ربيع الآخر عام سبعة وثلاثين وسبعمائة. فاضطلع بالأحكام، وطبّق مفصل الفضل، ماضي الصّريمة، وحيّ الإجهار، نافذ الأمر، عظيم الهيبة، قليل النّاقد، مطعم التوفيق، يصدع في مواقف الخطب، بكل بليغ من القول، مما يريق ديباجته، ويشفّ صقاله، وتبرأ من كلال الخطباء جوانبه وأطرافه. واستعمل في السّفارة للعدوّ ناجح المسعى، ميمون النّقيبة، جزيل الحياء والكرامة، إلى أن عزل عن القضاء في شعبان من عام سبعة وأربعين وسبعمائة، من غير زلّة تخفض، ولا هنة تؤثر، فتحيّز إلى التّحليق لتدريس العلم، وتفرّغ لإقراء العربية والفقه، ولم ينشب أميره المنطوي على الهاجس، المغري بمثله، أن قدّمه قاضيا بوادي آش، بنت حضرته، معزّزة بسندها الكبير الخطّة، فانتقل إليه بجملته. وكانت بينه وبين شيخنا أبي الحسن بن الجيّاب، صداقة صادقة، ومودة مستحكمة، فجرت بينهما أثناء هذه النّقلة، بدائع، منها قوله، يرقب «٢» خطّة القضاء التي اخترعها، ويوليها خطة الملامة «٣» :
[السريع]
لا مرحبا بالناشز الفارك ... إن جهلت رفعة مقدارك
لو أنها قد أوتيت رشدها ... ما برحت تعشو إلى نارك
أقسمت بالنّور المبين الذي ... منه بدت مشكاة أنوارك
ومظهر الحكم الحكيم الذي ... يتلو عليه «٤» طيب أخبارك
ما لقيت مثلك كفؤا لها ... ولا أوت أكرم من دارك «٥»