رأت قمر السماء فأذكرتني ... ليالي وصلنا «١» بالرّقمتين
كلانا ناظر قمرا ولكن ... رأيت بعينها ورأت بعيني
ففكّر ثم قال: لعل هذا الرجل كان ينظر إليها، وهي تنظر إلى قمر السماء، فهي تنظر إلى القمر حقيقة، وهو لفرط «٢» الاستحسان يرى أنها الحقيقة. فقد رأى بعينها لأنها ناظرة الحقيقة. وأيضا وهو ينظر إلى قمر مجازا، وهو لإفراطه استحسانها «٣» يرى أنّ قمر السماء هو المجاز، فقد رأت بعينه؛ لأنها ناظرة المجاز.
قلت: ومن هذا يعلم وجه الفاء في قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
والفاء فأذكرتني بمثابة قولك أذكرتني، فتأمّله، فإن بعض من لا يفهم كلام الأستاذ كل «٤» الفهم، ينشده: «وأذكرتني» . فالفاء في البيت الأول، منبّهة على الثاني، وهذا النحو يسمى «الإيذان في علم البيان» .
وقال: سألني ابن حكم عن نسب هذا «٥» المجيب في هذا البيت: [الكامل]
ومهفهف الأعطاف قلت له انتسب ... فأجاب ما قتل المحبّ حرام
ففكرت ثم قلت له «٦» : أراه تميميا؛ لإلغائه «ما» النافية. فاستحسنه مني لصغر سني يومئذ. وسأل ابن فرحون ابن حكم يوما «٧» : هل تجد في التّنزيل ستّ فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت: [البسيط]
رأى فحبّ فرام الوصل فامتنعت ... فسام صبرا فأعيا نيله فقضى
ففكر ابن «٨» حكم، ثم قال: نعم قوله عزّ وجلّ: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا
«٩» إلى آخرها، فمنعت له البناء في فَتَنادَوْا.
فقال لابن فرحون: فهل عندك غيره؟ فقال: نعم، قوله عزّ وجلّ: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها
(١٣) «١٠» إلى آخرها، فمنع لهم بناء الآخرة لقراءة الواو. فقلت له: امنع ولا تسند، فيقال «١١» : إن المعاني قد تختلف باختلاف الحروف، وإن كان السّند لا يسمع الكلام عليه. وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد، سواء بهذا الشرط وبدونه، كقول نوح عليه السلام: فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ