مستظرفا مستجادا، فعالها ولعلها، والله يصل في أرض الوجود نهلها وعلّها، وأن يبل ظعين الشوق بنسيمها البليل، وأن نعوضه من نار الغليل، بنار الخليل، وخير طبيب يداوي الناس وهو عليل. فشكواي إلى الله لا أشكو إلى أحد. هل هو إلّا فرد تسطو رياح الأشواق على ذبالته، وعمر الشوق قد شبّ على الطّوق، ووهب الجمع للفرق ولم يقنع بالمشاهدة بالوصف دون الذّوق. وقلب تقسم أحشاؤه الوجد، وقسم باله الغور والنّجد. وهموم متى وردت قليب القلب، لم تبرح ولم تعد، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
أستغفر الله يا سيدي الذي يوقد أفكاري حلو لقائه، وأتنسّم أرواح القبول من تلقائه، وأسأل الله أن يديم لي آمالي بدوام بقائه. إن بعد مداه، قربت منّا يداه، وإن أخطأنا رفده أصبنا نداه. فثمرات آدابه الزّهر تجيء إلينا، وسحائب بنانه الغرّ تصوّب دوالينا أو علينا، على شحط هواه، وبعد منتواه. ولا كرسالة سيدي الذي عمّت فضائله وخصّت، وتلت على أولياء نعمته أنباء الكمال وقصّت، وآي قضى كل منها عجبا، ونال من التماح غرّتها واجتلاء صفحتها أربا. فلقد كرمت عنه بالاشتراك في بنوّته الكريمة نسبا، ووصلت لي بالعناية منه سببا. تولّى سيدي خيرك من يتولّى خير المحسنين، ويجزل شكر المنعمين. أما ما تحدّث به من الأغراض البعيدة العذيبة، وأخبر عنه من المعاني الفريدة العجيبة، والأساليب المطيلة، فيعجز عن وصفه، وإحكام رصفه، القلم واللسان، ويعترف لها بالإبداع المستولي على أمد الإحسان البديع وحسّان. ولقد أجهدت جياد الارتجال، في مجال الاستعجال، فما سمحت القريحة إلّا بتوقّع الآجال، وعادت من الإقدام إلى الكلال. فعلمت أن تلك الرسالة الكريمة، من الحق الواجب على من قرأها وتأمّلها، أن لا يجري في لجّة من ميادينها، ويديم يراع سيدي الإحسان كرينها، لكن على أن يفسح الرياض للقصي مدى، ويقتدي بأخلاق سيدي التي هي نور وهدى، فإنه والله يبقيه، ويقيه ممّا يتّقيه، بعد ما أعاد في شكوى البين وأبدى، وتظلّم من البعد واستعدى، ورفع حكم العتاب عن ذرات النّسيم والاقتعاب، ورعى وسيلة ذكرها في محكم الكتاب. وولّى فضله ما تولّى، وصرف هواه إلى هوى المولى أن صور السعادة على رأيه، أيّده الله تجلّى، وثمرة فكره المقدس، أيّده الله تتحلّى. شكر الله له عن جميع نعمه التي أولى، وحفظ عليه مراتب الكمال التي هو الأحقّ بها والأولى. وقد طال الكلام، وجمحت الأقلاح. ولسيدي وبركتي الفضل، أبقى الله بركته، وأعلى في الدارين درجته، والسلام الكريم يخصّكم، من مملوككم ابن زمرك، ورحمة الله وبركاته، في الخامس عشر لجمادى الأولى عام تسعة وستين.