هل إلى ردّ عشيّات الوصال ... سبب أم ذاك من ضرب المحال؟
فلمّا أنشدها إياه، أعجب به، وبحسن خطّه ونصاعة ظرفه، فأثنى عليه، واستدعاه إلى الوفادة على حضرته، فوفد «٢» إليها في آخر العام المذكور، فأثبته في خواصّ دولته، وأحظاه لديه، إلى أن رقّاه إلى كتابة الإنشاء ببابه. واستمرّت حاله، معظّم القدر، مخصوصا بالمزية، إلى أن توفي السلطان، ثاني الملوك من بني نصر، وتقلّد الملك بعده، وليّ عهده أبو عبد الله، فزاد في إحظائه وتقريبه، وجمع له بين الكتابة والوزارة، ولقّبه بذي الوزارتين؛ وأعطاه العلامة، وقلّده الأمر، فبعد الصّيت، وطاب الذّكر، إلى أن كان من الأمر «٣» ما يأتي به الذكر قريبا إنشاء الله تعالى.
مشيخته: قرأ «٤» برندة على الشيخ النحوي أبي الحسن علي بن يوسف العبدري السّفاح، القرآن العظيم بالروايات السّبع، والعربية وغير ذلك. وعلى الخطيب بها أبي القاسم بن الأيسر، وأخذ عن والده جميع مرويّاته. واستجاز له في صغره أعلام ذلك الزمان، وأخذ في رحلته عن الجلّة من الجملة الذين يضيق عن أمثالهم الحصر.
فمنهم أبو اليمن جار الله ابن عساكر، لقيه بالحرم الشّريف، وانتفع به، واستكثر من الرواية عنه. ومنهم الشيخ أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم الحرّاني، المعروف بابن هبة الله الحراني. ومنهم الشيخ الشريف «٥» أبو العباس أحمد بن عبد الله بن عمر بن معطي ابن الإمام الجزائري- جزائر المغرب- نزيل بغداد. ومنهم الشيخ أبو الصفا خليل بن أبي بكر بن محمد المرادي الحنبلي، لقيه بالقاهرة. ومنهم الشيخ رضي الدين القسطميني أبو بكر. ومنهم الشيخ شرف الدين الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدّمياطي، إمام الديار المصرية، في الحديث ومؤرخها وحافظها. ومنهم عبد المنعم بن محمد بن يوسف بن أحمد الخيمي، شهاب الدين أبو عبد الله، نزيل مشهد الحسين بن علي، قرأ عليه قصيدته البائية الفريدة التي أولها «٦» : [البسيط]
يا مطلبا ليس لي في غيره أرب ... إليك آل التّقصّي وانتهى الطلب