شيء هذا المنزع؟ إيش، لا حال لنا معك ولا عيش، من يضحك على هذا الطيش. ما هذا الخبل، أخمار بك أم ثمل؟ ارجع إلى ما كنت بصدده وقيت الزّلل، خذ في الجدّ فما يليق بك الهزل، رقّ عن ذلك فحكّ لنا منه أرقّ غزل، ماذا أقول؟ وأي عقل يطاوعني على هذا المعقول؟ أفحمتني، والله، عن مكالمتكم هذه المحن، ومنعتني من طلب مسالمتكم ما لكم عليّ في دنياكم هذه من الإحن. إن تكلمت كلمت، وإذا استعجمت عجمت. أما لهذه العلة آس، أم على هذه الفيلة مواس؟ ما حيلتي في طبع بلدكم الجاسي؟ أما يلين لضعفي، أما يرقّ قلب زمانكم القاسي؟ ما هذه الدّمن، يا بني خضراوات الدمن، أظهرتم المحن، فقلب لكم ظهر المجنّ «١» . إن مرّ بكم الولي حمّقتموه، وإن زجركم العالم فجرتم عليه ففسّقتموه، وإذا نجم فيكم الحكيم غصصتم به، فكفّرتموه وزندقتموه. كونوا فوضى، فما لكم اليوم مسرى سواه واذهبوا من مراعيكم المستوبلة، حيث شئتم، فقد أهملكم الرعاة. ضيّعتم النص والشرائع، وأظهرتم في بدعكم العجائب والبدائع. نفّقتم النّفاق، وأقمتم سوق الفسوق على ساق. استصغرتم الكبائر، وأبحتم الصّغائر، أين غنيّكم الشاكر، يتفقد فقيركم الصابر؟ أين عالمكم الماهر، يرشد متعلّمكم الحائر. مات العلم بموت العلماء، وحكم الجهل بقطع دابر الحكماء. جرّد لنا شريعتك يا أفضل الشّارعين، أتمّ فيها موعظتك يا أفصح التابعين. لا، والله، ما يوقظكم من هذا الوسن، وعظ الحسن، ولا ينقذكم من فتن هذا الزمن، إلّا سيف معلّمه أبي الحسن، والسلام.
قدم غرناطة في أواخر عام ثلاثة وسبعمائة. وتوفي في يوم مقتل صاحبه الوزير أبي عبد الله بن الحكيم؛ فرّ من دهليز جاره فيمن كان بها من الأعلام، بعد أن نهبت ثيابه، حسبما جرى على غيره من الحاضرين، وهو يقول: هكذا تقوم الساعة بغتة.
ولقيه بعض قرابة السلطان، ممن كان الوزير قد وتره، فشرع الرّمح إليه، فتوسّل إليه برسول الله، فلم يقبل منه، وطعنه، فقتله يوم عيد الفطر عام ثمانية وسبعمائة، وآخر العهد به، مطّرحا بالعراء، خارج باب الفخّارين، لا يعلم قبره؛ لمكان الهرج في تلك الأيام، نسأل الله جميل ستره، وساء بأثر قتله إياه حال ذلك الرجل وفسد فكره، وشرد نومه وأصابته علّة رديّة، فكان يثب المرة بعد الأخرى، يقول: ابن خميس يقتلني، حتى مات لأيام من مقتل المذكور.