للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخاطب المجد عنها ... للقلب «١» تدني شكرا

واستوطن مدينة شريش، وقرأ بها، وروى بها عن علمائها، وأقرأ بها، ولمّا استولى العدوّ عليها لحق بالجزيرة الخضراء، فدرّس بها، ثم عبر البحر إلى سبتة، فقرأ بها وروّى. ثم كرّ إلى الأندلس، فقصد غرناطة، وأخذ عن أهلها. ثم استوطن مالقة، وتصدّر للإقراء بها؛ مفيد التعليم، متفنّنه، من فقه وعربية وقراءات وأدب وحديث، عظيم الصبر، مستغرق الوقت. يدرس من لدن صلاة الصبح إلى الزّوال. ثم يسند ظهره إلى طاق المسجد بعد ذلك، فيقرىء، وتأتيه النساء من خلفه للفتيا، فيفتيهنّ على حال سؤالاتهنّ إلى نصف ما بين العصر والعشاء الأولى. ثم يأتي المسجد الأعظم بعد الغروب، فيقعد للفتيا إلى العشاء الآخرة، من غير أن يقبل من أحد شيئا. ومن أخذ منه بعد تحكيم الورع، أثابه بمثله، ما رئي في وقته أورع منه. وكان يتّخذ روميّة مملوكة، لا يشتمل منزله على سواها، فإذا أنس منها الضّجر للحصر وتمادى الحجاب، أعتقها، وأصحبها إلى أرضها.

ونشأت بينه وبين فقهاء بلده خصومة في أمور عدّوها عليه، مما ارتكبها اجتهاده في مناط الفتوى، وعقد لهم أمير المسلمين بالأندلس مجلسا أجلى عن ظهوره فيه، وبقاء رسمه، فكانت محنة، وخلّصه الله منها. وبلغ من تعظيم الناس إيّاه، وانحياشهم إليه، مبلغا لم ينله مثله، وانتفع بتعليمه، واستفيد منه الأدب على نسكه وسذاجته.

مشيخته: قرأ ببلده شريش على المكتّب الحاج أبي محمد عبد الله بن أبي بكر بن داود القيسي، وعلى الأستاذ أبي بكر محمد بن محمد بن الرّياح، وعلى الأستاذ أبي الحسن علي بن إبراهيم بن حكيم السّكوني الكرماني؛ أخذ عنه العربية والأدب، وعلى الحافظ أبي الحسن علي بن عيسى، المعروف بابن متيوان، وعلى الأصولي الكاتب أبي الحسن هلال بن أبي سنان الأزدي المرّاكشي، وعلى الخطيب أبي العرب إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري، وعلى الفقيه أبي عبد الله الجنيدي، المعروف بالغرّاق، وعلى الفقيه العددي أبي عبد الله محمد بن علي بن يوسف، المعروف بابن الكاتب المكناسي. وقرأ بالجزيرة الخضراء على الخطيب الصالح أبي محمد الرّكبي، وروى عنه، وقرأ بها على الخطيب أبي عبيد الله بن خميس، وعلى الأصولي أبي أميّة. وقرأ بسبتة على الأستاذ الفرضي إمام النحاة أبي الحسن بن أبي الربيع، وعلى أبي يعقوب المحبساني، وعلى المحدّث أبي عمرو عثمان بن عبد الله