منوّعة المقصد «١» . قلت: وعلى الجملة، فذات أبي المطرّف فيما ينزع إليه، ليست من ذوات الأمثال، فقد كان نسيج وحده، إدراكا وتفنّنا، بصيرا بالعلوم، محدّثا، مكثرا، راوية ثبتا، سجرا في التاريخ والأخبار، ريّان، مضطلعا بالأصلين، قائما على العربية واللغة، كلامه كثير الحلاوة والطّلاوة، جمّ العيون، غزير المعاني والمحاسن، وافد أرواح المعاني، شفّاف اللفظ، حرّ المعنى، ثاني بديع الزمان، في شكوى الحرفة، وسوء الحظ، ورونق الكلام، ولطف المأخذ، وتبريز النثر على النظم، والقصور في السّلطانيات.
مشيخته: روى عن أبي الخطاب بن واجب، وأبي الربيع بن سالم، وأبي عبد الله بن فرج وأبي علي الشّلوبين، وأبي عمر بن عات، وأبي محمد بن حوط الله، لقيهم، وقرأ عليهم، وسمع منهم، وأجازوا له؛ وأجاز له من أهل المشرق أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج وغيره.
من روى عنه: روى عنه ابنه القاسم، وأبو بكر بن خطّاب، وأبو إسحاق البلقيني الحفيد، والحسن بن طاهر بن الشّقوري، وأبو عبد الله البرّي. وحدّث عنه أبو جعفر بن الزّبير، وابن شقيف، وابن ربيع، وغيرهم مما يطول ذكره.
نباهته: صحب أبا عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن خطّاب قبل توليته ما تولّى من رياسة بلده، وانتفع به كثيرا؛ وكتب عن الرئيس أبي جميل زيّان بن سعد وغيره من أمراء شرق الأندلس. ثم انتقل إلى العدوة «٢» ، واستكتبه الرشيد أبو محمد عبد الواحد بمراكش، مدة يسيرة؛ ثم صرفه عن الكتابة وولّاه قضاء مليانة من نظر مرّاكش الشرقي، فتولّاه قليلا، ثم نقله إلى أقصى رباط الفتح. وتوفي الرشيد، فأقرّه على ذلك الوالي بعده، أبو الحسن المعتضد أخوه؛ ثم نقله إلى قضاء مكناسة الزّيتون؛ ثم لمّا قتل المعتضد لحق بسبتة، وجرى عليه بطريقها ما يذكر في محنته. ثم ركب البحر منها متوجّها إلى إفريقية، فقدم بجاية على الأمير أبي زكريا يحيى بن الأمير أبي زكريا. ثم توجّه إلى تونس فنجحت بها وسائله، وولّي قضاء مدينة الأرش. ثم انتقل إلى قابس، وبها طالت مدة ولايته؛ واستدعاه المستنصر بالله محمد بن أبي زكريا، ولطف محلّه منه، حتى كان يحضر مجالس أنسه، وداخله بما قرفته الألسن بسببه حسبما يذكر في وصمته.