و (إذا تلفت) الوديعة (من بين ماله، ولم يتعدَّ ولم يُفرط: لم يضمن)؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي ﷺ قال:"من أودع وديعة فلا ضمان عليه" رواه ابن ماجه، وسواء ذهب معها شيء من ماله أو لا (٣)، (ويلزمه) أي: المودَع (حفظها
= فليؤد الذي أؤتمن أمانته﴾؛ حيث أمر برد الأمانة، والأمر مطلق في الزمان، فيلزم منه: أن يرد المودَع الوديعة في أي وقت شاء المودِع، الثانية: التلازم؛ حيث إن المودَع - وهو المستودَع - متبرِّع بإمساكها فإذا ردَّها إلى صاحبها يلزم منه: أن يقبلها صاحبها؛ لكون المودَع: إذا تبرّع في الوقت الماضي فلا يلزمه التبرع في المستقبل.
(٣) مسألة: المودَع لا يضمن الوديعة إذا تلفت: سواء تلفت بمفردها، أو مع ماله، بشرط: أن لا يتعدَّ أو يُفرِّط؛ لقاعدتين: الأولى: المصلحة؛ حيث إن المودَع لو ضمنها إذا تلفت، ودفع قيمتها - من غير تعدٍّ أو تفريط -: لأدَّى ذلك إلى امتناع الناس من أن يقبلوا الأمانات والودائع عندهم، وهذا مضربهم؛ لكون المودع يحفظ الوديعة لصاحبها متبرعًا من غير نفع يرجع إليه، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن أبا بكر وعلي وابن مسعود قالوا بعدم التضمين مطلقًا إذا تلفت الوديعة عند المودَع فإن قلتَ: إن تلفت الوديعة بمفردها، دون ماله فإن المودَع يضمنها لصاحبها وإن لم يتعدَّ ولم يفرط؛ لفعل الصحابي؛ حيث إن عمر قد ضمَّن أنس بن مالك وديعة أودعها إياه تلفت من بين ماله قلتُ: إنه يُحتمل أن أنسًا قد فرَّط، أو تعدّى في حفظ تلك الوديعة، فلذا ضمَّنه، وإذا تطرّق الاحتمال إلى الدليل بطل به الاستدلال، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض قول الصحابي وفعله" فأخذنا بقوله؛ لقوته، دون فعله، لضعفه بالاحتمال، وأيضًا:"تعارض فعل الصحابي مع المصلحة" فأخذنا بالمصلحة؛ لكونها عامة، وهم أخذوا بفعل الصحابي في الجهتين. (فرع): إن ثبت دليل على أن المودَع قد فرَّط أو تعدَّى في حفظ الوديعة فتلفت بسبب ذلك: فإنه - أي: المودَع - يضمنها مطلقًا؛ للإجماع؛ حيث أجمع=