فقول منكر بمينه (٦)(ولا يصح) أن يهب (مجهولًا) كالحمل في البطن، واللَّبن في الضرع (٧)(إلَّا ما تعذَّر علمه) كما لو اختلط مال اثنين على وجه لا يتميز، فوهب أحدهما لرفيقه نصيبه منه، فيصح؛ للحاجة كالصلح (٨)، ولا يصح أيضاً هبة ما لا
لمثله أو دونه، أو أعلى منه؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الهبة تكون على وجه التبرُّع: أن لا تقتضي عوضًا وهذا يتساوى فيه الجميع. فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه التيسير على الناس؛ حيث إن الهبة لو اقتضت العوض من الموهوب له: لشق على كثير من الناس.
(٦) مسألة إذا وهب زيد عمرًا شيئًا، وقبل عمر و ذلك، واختلف في شرط العوض فقال زيد:"إني وهبتك ذلك بشرط أن تعوضني عنه" فأنكر الموهب له -وهو عمرو- ذلك الشرط ولا توجد بيّنة: فإنه يُقبل قول عمرو المنكر مع يمينه؛ للسنة القولية حيث قال ﷺ:"البيّنة على من ادّعى، واليمين على من أنكر" والمدعي -وهو الواهب وهو زيد- لا بيّنة عنده على ادعائه، فيكون قول المنكر هو المقبول مع يمينه للاحتياط فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للاستصحاب؛ حيث إن الأصل عدم الشرط، وبراءة ذمة الموهوب له منه فيُعمل على هذا الأصل، حتى يأتي دليل يُغيِّر الحالة.
(٧) مسألة: لا يصح أن يهب شخص لشخص آخر شيئاً مجهولاً كأن يقول زيد لعمرو: "قد وهبتك هذا الحمل الموجود في بطن تلك الشاة، أو هذا اللبن الموجود في ضرعها؛ للقياس؛ بيانه: كما لا يجوز بيع ذلك فكذلك لا يجوز هبتها لأحد والجامع: أن كلاًّ منهما تمليك لشيء مجهول، ومتعذِّر التسليم في الحال.
(٨) مسألة: إذا تعذَّر علم شيء معيَّن، وكانت المصلحة تقتضي هبته لآخر: فإن ذلك يصح: كأن يختلط مال اثنين اختلاطًا لا يمكن التمييز بينهما، واختلفا: فيجوز لأحدهما أن يهب نصيبه للآخر منه؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه صلح بينهما، وقطع للخلافات والمنازعات، ونشر المحبة والتآلف بين الناس.