للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"سكناه لك عمرك، أو غلَّته، أو خدمته لك، أو منحتكه": فعارية؛ لأنها هبة المنافع (٢٥)، ومن باع، أو وهب فاسدًا، ثم تصرَّف في العين بعقد صحيح: صح الثاني؛ لأنه تصرُّف في ملكه (٢٦).

قلت: لِمَ سمي ذلك بالرقبي؟ قلتُ: لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه.

(٢٥) مسألة: إذا قال زيد لعمرو: "سكنى هذه الدار لك عمرك، أو غلَّة وريع هذا البستان، أو خدمة هذا العبد لك" أو "منحتك غلَّة هذا البستان" أو نحو ذلك: فهذا لا يصح أن يكون هبة، بل يكون عارية، وحكم العارية جواز الرجوع فيها لصاحبها في حياته وبعد مماته؛ للتلازم؛ حيث إن هذا هبة للمنافع، وهي تستوفى شيئًا فشيئًا بمضي الزمان فيلزم من ذلك: عدم صحتها هبة؛ لكون الهبة تمليك للعين للموهوب له ملكًا تامًا، فإن قلتَ: إن هذا يُعتبر عمرى ورقبي، يثبت فيها مثل حكمها؛ للتلازم؛ حيث يلزم من قوله: "لك": أنه جعل له رقبتها فتكون عمرى ورقبي. قلتُ: إن هذا إباحة للمنافع فقط، فلم يقع لازمًا؛ إذ معنى قوله: "سكنى هذه الدار لك عمرك": أن لك سكناها حتى تموت وهذا يشبه قوله: "لك سكناها"، ومنه قوله تعالى: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾ حيث إن الله يعلم أن آدم سيعصي وسينزل إلى الأرض، فكان ذلك مؤقتًا فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "الاختلاف في تفسير اللام في قوله: "لك".

(٢٦) مسألة: إذا وهب عينًا هبة فاسدة، أو باع عينًا بيعًا فاسدًا، ثم بعد ذلك وهب تلك العين هبة صحيحة أو باعها بيعًا صحيحًا مع علمه واعتقاده بفساد العقد الأول: صح العقد الثاني هبة أو بيعًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تصرُّفه في ملكه، واعتقاده بفساد العقد الأول وهو عالم بأنه ملكه: صحة العقد الثاني بيعًا أو هبة؛ لاستكمال شروط البيع والهبة.

[فرع]: إن علم واعتقد صحة العقد الأول دون الثاني: فإن العقد الثاني لايصح هبة أو بيعًا؛ للتلازم؛ حيث إن تصرُّفه تصرُّفًا يعتقد فساده نظرًا=

<<  <  ج: ص:  >  >>