ولدك أعطيت مثله؟ " قال: لا، قال: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال: رجع أبي فردَّ تلك الصدقة، حيث أوجب العدل والتسوية بين الأولاد في أصل العطية والهبة -فيما لو أعطى واحدًا منهم، دون الآخرين، أو زاده على ما قسمه الله-؛ لأن الأمر في قوله: "واعدلوا" مطلق، وهو يقتضي الوجوب، وترك الواجب حرام، فإن قلتَ: لِمَ وجبت التسوية بينهم؟ قلتُ: للمصلحة: حيث إن تفضيل بعضهم يُورث بينهم العداوة، والبغضاء، وقطيعة الرحم، فدفعًا لذلك: وجبت التسوية، فإن قلتَ: يجوز عدم التسوية في العطية، فيجوز أن يعطي أحد أولاده أزيد من بعض وهو قول الجمهور؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية: حيث قال ﷺ: "أشهد على هذا غيري" - في آخر حديث النعمان بن بشير - ولو لم يجز تفضيل بعض الأولاد: لما أمر النبي ﷺ: بأن يشهد على هذا التفضيل غيره، الثانية: فعل الصحابي حيث إن أبا بكر ﵁ قد أعطى ابنته عائشة بعض التمر يُقدَّر بعشرين وسقًا دون سائر أولاده. قلتُ: أما قوله ﷺ: "أشهد على هذا غيري": فهو أمر للتهديد؛ يؤيد ذلك أمور أولها: أن النبي ﷺ سمَّاه "جورًا" حيث قال: "لا تشهدني على جور" -في حديث النعمان- ولا يمكن أن يأمر النبي ﷺ بالإشهاد على الجور، ثانيها: أنه لو حُمل على الأمر الحقيقي لتناقض هذا مع قوله ﷺ في أوله: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"؛ لكونه لا يصح الأمر بشيء يخالف تقوى الله، ثالثها: أنه لو كان الأمر أمرًا حقيقيًا لامتثل بشير هذا الأمر، ولم يرده، ولكنه ﵁ ردَّه، فلم يبق إلّا أن ذلك الأمر للتهديد كقوله تعالى: "اعملوا ما شئتم" أما فعل أبي بكر: فعنه جوابان: أولهما: أنه معارض لقول النبي ﷺ في حديث النعمان بن بشير، ولا تقوم الحجة به مع ذلك، ثانيهما: أنه يُحتمل أنه أعطاها لحاجتها وعجزها عن الكسب لتفريغها للفتوى، ويُحتمل أنه أعطاها وأعطى غيرها من أولاده، ويحتمل أنه أعطاها =