وقبضه (ولو فيما وهبه له) أي لولده، وأقبضه إياه (ببيع) أو هبة (أو عتق أو إبراء) غريم ولده من دينه: لم يصح تصرُّفه؛ لأن ملك الولد على مال نفسه تام، فيصح تصرفه فيه، ولو كان للغير أو مشتركًا: لم يجز (أو أراد أخذه) أي: أراد الوالد أخذ ما وهبه له (قبل رجوعه) في هبته بالقول كـ"رجعتُ فيها"(أو) أراد أخذ مال ولده قبل (تملُّكه بقول، أو نية، وقبض معتبر: لم يصح) تصرُّفه؛ لأنه لا يملكه إلّا بالقبض مع القول، أو النية، فلا ينفذ تصرُّفه فيه قبل ذلك (بل بعده) أي: بعد القبض المعتبر
إذ يجوز أن يأخذ الأب من مال ولده: سواء كان ذلك الأب محتاجًا أو لا، وهو ما ذكره المصنف هنا وهو رأي أكثر الحنابلة؛ للسنة القولية وهي من وجهين: أولهما: قوله ﷺ: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم" فأباح هنا للأب أن يأخذ من مال ولده؛ لأنه من كسبه وداخل فيه، وهذا عام: فيشمل حال حاجة الأب وحال عدم حاجته، ثانيهما: قوله ﷺ: "أنت ومالك لأبيك: والقول فيه كالقول في الحديث السابق. قلتُ: إن الأحاديث التي ذكرناها أقوى وأصح وأكثر، فتقدَّم؛ لأنه يُرجح بالقوة، والكثرة، ثم إن من مقاصد الشريعة المحافظة على حقوق الناس، من أن يتحايل عليها فتؤخذ بغير حق، وأحاديثنا تؤيد هذا المقصد؛ لأن فيها دفعًا للمفاسد عن الأولاد، وجلبًا للمصالح لهم. وهذه المصلحة مخصِّصة لعموم الحديثين اللذين قد استدل بهما أكثر الحنابلة، فيجوز أن يأخذ الأب من مال ولده إذا احتاج إلى ذلك حاجة ماسة، فإن قلتَ: لِمَ لا يأخذ الأب من مال ولده ويعطيه ولده الآخر؟ قلتُ: للقياس الأولى: بيانه كما أنه لا يجوز أن يخصص الوالد بعض أولاده بعطية من مال نفسه، فمن باب أولى: عدم جواز إعطاء ولد من مال ولد آخر، والجامع: حماية حقوق الناس. فإن قلتَ: لِمَ لا يأخذ الأب المريض بمرض الموت، ولا يأخذ الأب من مال ولده المريض بمرض الموت؟ قلتُ: لأن هذا المرض سبب في انقطاع التملُّك، فلا يملك أحد شيئًا في هذا المرض.