وصَّى لكل وارث بمعيَّن بقدر إرثه: جاز؛ لأن حق الوارث في القدر، لا في العين (١٠)، والوصية بالثلث فما دون لأجنبي تلزم بلا إجازة (١١) وإذا أجاز الورثة ما
وتبطل للوارث إلا إذا أذن الورثة في ذلك وسمحوا به بعد موت الموصي فيجوز، لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قوله ﷺ لسعد بن أبي وقاص: "الثلث والثلث كثير" حيث دلَّ مفهوم العدد على عدم جواز ما زاد عن الثلث، ويلزم منه: أن الذي زاده الموصي على الثلث يبطل بهذا: لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي التحريم والفساد. ثانيهما: قوله ﷺ: "لا وصية لوارث" حيث إن النفي هنا: نهي والنهي مطلق، فيقتضي التحريم والفساد. الثانية: التلازم؛ حيث إن كون الورثة قد أسقطوا حقهم بالإذن بالزيادة، أو للوارث: يلزم منه: جوازه، فإن قلتَ: لِمَ حُرِّمت الزيادة عن الثلث، وحرمت الوصية للوارث؟ قلتُ: للمصلحة حيث إن الوصية بأكثر من الثلث فيه ظلم للورثة بتنقيص حقهم، والوصية للوارث فيه إيقاع العداوة، والفتنة بين الموصى له وبقية الورثة، فدفعًا لذلك: حرم.
(١٠) مسألة: إذا وصَّى شخص لكل وارث بشيء معين بقدر نصيبه من الإرث: فإن يصح كأن يكون له داران، وله بنتان وابن، وكل دار تساوي مائة ألف، فجعل دارًا للبنتين، والدار الأخرى للابن: فإن هذا يصح كما قلنا؛ للتلازم؛ حيث إن كون حق الوارث في القدر، لا في العين، وأنه لم يقع ظلم ولا إجحاف على أحد يلزم منه: صحته، وهو المقصد منه.
(١١) مسألة: إذا وصَّى شخص بالثلث فما دونه لغير الوارث: فإنها تلزم بعد موت ذلك الشخص الموصي بدون إذن أو إجازة من الورثة؛ للسنة القولية: حيث إنه ﷺ قال -في حديث سعد-: "الثلث والثلث كثير" وهذا مطلق، فلم يُقيَّد بشيء من إذن وإجازة ورثة ولا غيرهم، فيبقى على إطلاقه، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه تيسير لإنفاذ الوصية.