= باب "مفهوم الموافقة الأولى" ثانيهما: أنه ثبت عنه ﵇ أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إنه قد ثبت عن عمر، وعلي، وابن عباس أن دية شبه العمد مؤجَّلة، والخطأ أولى بالتأجيل منه، وثبت عن عمر وعلي أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن شبه العمد، والخطأ يكثر وقوعهما، ودية الآدمي كثيرة، فلو تحمَّلها القاتل بمفرده وأخرجها من ماله الخاص للحقه الضرر الشديد، فدفعًا لهذا الضرر عنه، أوجبها الشارع على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل، وللإعانة له، وللتخفيف عنه؛ لكونه معذورًا في فعله، فإن قلتَ: إن دية شبه العمد تؤخذ من مال القاتل، معجَّلة غير مؤجلة، وهو قول ابن سيرين، وبعض الحنابلة؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه يتحمَّل دية العمد حالة - كما سبق في مسألة (٣) - فكذلك يتحمَّل دية شبه العمد حالَّة - غير مؤجلة، والجامع: أن كلًا منهما حصل بسبب فعل قد قصده قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن العمد مغلَّظ من كل وجه؛ حيث إنه قصد في فعله القتل والإتلاف وإزهاق الروح، أما شبه العمد: فهو يُغلَّظ من وجه، وهو قصده الفعل، ويُخفَّف من وجه آخر، وهو: كون الفاعل لم يقصد القتل، والإتلاف، وإزهاق الروح، ومع هذا الفارق: فلا قياس، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع السنة"، فإن قلتَ: إن دية شبه العمد تجب على العاقلة ولكنها حالَّة، أي: لا تؤخَّر؛ للقياس؛ بيانه: كما أن قيم المتلفات تجب حالَّة فكذلك دية شبه العمد، والجامع: أن كلًا منهما بدل متلف قلتُ: هذا قياس فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن الدية تخالف سائر المتلفات في كون الدية تجب على غير الجاني - وهي العاقلة - على سبيل المؤاساة له، فاقتضت المصلحة تخفيفها عليهم، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض القياس مع قول الصحابي والمصلحة". =