للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو لآدمي كحد القذف؛ لأنه يفتقر إلى اجتهاد، ولا يؤمن من استيفائه الحيف، فوجب تفويضه إلى نائب الله تعالى في خلقه (٦)، ويُقيمه (في غير مسجد) ويحرم فيه؛ لحديث حكيم بن حزام: أن رسول الله : "نهى أن يستقاد بالمسجد وأن تُنشد

= ما تقتضي تلك الحدود: كالزنى، والسرقة، وشرب الخمر، والقذف وغيرها، فإن كان جاهلًا بحكم التحريم كأن يجهل تحريم الزنى، أو السرقة فيزني، أو يسرق، أو كان عالمًا بالتحريم، ولكنه يجهل عين المرأة كأن يتزوج امرأة فيُزفُ إليه امرأة أخرى فيظنها زوجته فيُجامعها، أو يُدفع إليه غير جاريته التي اشتراها فيطأها وهو يظنها جاريته: فلا يُقام على هذا حد؛ لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال : "ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" والجهل شبهة، فلا يقام الحد لأجل ذلك، الثانية: قول الصحابي؛ حيث إن عمر، وعثمان، وعلي، ورد عنهم: "أنه لا حدَّ إلا على من علمه"، وثبت أن عثمان قد أراد أن يرجم رجلًا قد زنا، فلما أصبح حدَّث الناس بما فعل، فمنعه علي حتى ينظر في الرجل، فلما استُدعي من الشام: وسُئل عن أحكام الإسلام وُجد أنه جاهل بها، فلم يُحد، فإن قلت: لَم شُرع هذا؟ قلت: لأنه معذور بالجهل.

(٦) مسألة: لا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام، أو نائبه مطلقًا سواء كان الحد الله تعالى كحد الزنى، أو لآدمي كحد القذف؛ لقاعدتين: الأولى: التلازم؛ حيث إن كون إقامة الحد مفتقر ومحتاج إلى اجتهاد - في توفّر شروط من يقام عليه ونحو ذلك - وكون استيفاء الحد لا يؤمن الحيف والزيادة على الواجب، وكون الإمام نائبًا عن الله في خلقه يلزم ذلك كله: أن لا يُقيمه إلا الإمام أو نائبه؛ لعدم قدرة غيره على ذلك، وهذا هو المقصد منه، الثانية: فعل الصحابي؛ حيث إن أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلي كانوا يتولَّون إقامة الحدود، ويُنيبون غيرهم من ولاتهم في أطراف الدولة الإسلامية من أجل إقامتها عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>