= إلّا إذا عفى أصحابها عنها: وهذا مطلق: أي سواء حصل ذلك قبل مضي مدَّة يعلم بها صدق توبته وإصلاح عمله أو لا؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى - بعد آية المحاربة -: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ حيث استثنى الشارع التائبين قبل القدرة عليهم فلا يقام عليهم حد المحاربة، وهذا دل بمفهوم الموافقة على اعتبار توبة غيره بطريق أولى؛ لأن ما قُبلت توبته مع شدَّة ضرره وتعدِّيه وهو المحارب فمن باب أولى أن تقبل توبته فيما دون ذلك - وهي الحدود - الثانية: السنة القولية؛ وهي من وجوه: أولها: أن رجلًا جاء إلى النبي ﷺ فقال: أصبتُ حدًّا، فأقمه عليّ، قال:"أليس قد صلَّيت معنا؟ " قال: نعم قال: "فإن الله قد غفر لك ذنبك" ثانيها: قوله ﵇: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" ومن لا ذنب له لا حدّ عليه، ثالثها: قوله ﵇ في ماعز لما هرب من أذى الرجم -: "هلّا تركتموه لعلَّه يتوب فيتوب الله عليه؟ " الثالثة: القياس؛ بيانه: كما أن حدّ المحارب يسقط إذا تاب قبل القدرة عليه فكذلك الحدود الأخرى مثله تسقط بمجرد رد التوبة والجامع: أن كلًّا منها حق خالص الله تعالى، الرابعة التلازم؛ حيث يلزم من كون حقوق الآدميين عليهم ومبناها على المشاحة: عدم سقوطها عنهم، فإن قلت: لا تسقط الحدود - كحدّ السرقة والزنى، والشرب - بالتوبة قبل أن تصل إلى الإمام أونائبه وهو قول مالك، وأبي حنيفة وكثير من العلماء؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث إن آية السرقة، وآية الزنا وردتا عامتين، فيشملان التائب، وغيره الثانية: السنة الفعلية؛ حيث إن النبي ﵇ قد رجم ماعزًا، والغامدية، وقطع الذي أقرّ بالسرقة عنده مع أنهم جاؤوا تائبين قلتُ: أما الآيتان: فإن عمومهما قد خصِّصا بمنطوق ومفهوم آية المحاربة والسنة القولية والقياس - كما سبق ذكرها -، وأما السنة الفعلية: فقد وصل الأمر إلى ولي الأمر - وهو النبي ﵇ لذلك أقام =