وجوبًا وعلى رعيته معونته (٤)، ويحرم قتالهم بما يعم إتلافهم كمنجنيق ونار إلا
(٤) مسألة: إذا ظهرت جماعة من البغاة فيجب على الإمام أن يراسلهم ويتفاهم معهم على كل شيء: فيسألهم عن الأمور التي نقموا عليه بشأنها، فإن كان ما ينقمونه وينتقدونه مما لا يحل فعله شرعًا: أزاله؛ ليرجعوا إلى الطاعة، وإن كان ما ينقمونه حلالًا شرعًا، لكن التبس عليهم الأمر فظنوا أن الحلال باطل، أو العكس: بيَّن أدلة حلِّه، وقواعده الشرعية، وأظهر لهم وجهة نظره فإن رجعوا عن البغي إلى الحق: فإنه يتركهم، وإن أصروا على موقفهم وأبوا الرجوع: فإنه يعظهم هو، أو يرسل إليهم من العلماء المحققين المخلصين من يخلص لهم النصيحة، ويُبين لهم الحق، فإن أصرُّوا على موقفهم يجب عليه - أي: على الإمام - أن يقاتلهم حتى يُشتت شملهم، ويقضي عليهم قضاء لا قيام لهم بعده، ويجب على جميع الرعية أن يُعينوا الإمام على قتالهم، لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ والمراد بالإصلاح المأمور به هنا: هو مراسلة البغاة، وكشف الشبهة" وإزالة المظلمة إن وُجدت والمخاطب هنا الإمام الذي بايعته الرعية فيكونون معه في ذلك فوجب قتالهم إن لم يرجعوا؛ لأن الأمر هنا مطلق، فيقتضي الوجوب، وقال تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ فأوجب طاعة ولي الأمر إذا أمر بقتال هؤلاء البغاة، الثانية: المصلحة؛ حيث وجبت مناصحتهم، وكشف الشبهة لهم؛ لأن المقصود كفهم ودفع شرّهم، لا قتلهم، فإذا أمكن بمجرد القول فهو أولى من القتال؛ لما في القتال من الضرر على الفريقين وهو المقصد منه؛ الثالثة: فعل الصحابي؛ حيث إن عليًا لمّا اعتزله الحرورية بعث إليهم عبد الله بن عباس فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فنصحهم وبيّن لهم الأدلة من الكتاب والسنّة فرجع منهم أربعة آلاف شخص.