(وإن حلف لا يأكل شيئًا، فأكله مستهلكًا في غيره كمن حلف: لا يأكل سمنًا، فأكل خبيصًا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه): لم يحنث (أو) حلف (لا يأكل بيضًا، فأكل ناطفًا: لم يحنث)؛ لأن ما أكله لا يُسمَّى سمنًا، ولا بيضًا (وإن ظهر طعم شيء من المحلوف عليه) فيما أكله: (حنث)؛ لأكله المحلوف عليه (١١).
(فصل): (وإن حلف: لا يفعل شيئًا ككلام زيد، ودخول دار ونحوه، ففعله مكرهًا: لم يحنث)؛ لأن فعل المكره غير منسوب إليه (١٢) (وإن حلف على نفسه، أو
"والله لا أطأ زوجتي": فإنه يحنث إذا جامعها، ولا يحنث إذا وطأها بقدمه، ولو قال:"والله لا أطأ بيتك" يحنث إذا وطأ ذلك البيت بقدمه، ولو قال:"والله لا أذهب إلى الغائط الآن": فإنه يحنث إذا ذهب إلى الحمام ليقضي حاجته بإخراج البراز، ولا يحنث إذا ذهب إلى أي مكان منخفض من الأرض، وهكذا؛ للتلازم؛ حيث إن اشتهار ذلك المجاز، ونسيان الحقيقة حتى أنها صارت كالمهجورة لا يعرفها أكثر الناس يلزم منه: العمل على ما تعارف عليه هؤلاء الناس؛ لأنه لا يقصد الحالف غيره في الظاهر، فصار كالمصرَّح به.
(١١) مسألة: إذا حلف زيد: "لا يأكل سمنًا" فأكل أكلًا قد خلط فيه بعض السمن، وظهر طعم ذلك السمن أثناء أكل زيد لهذا المخلوط مع السمن: فإنه يحنث، أما إن لم يظهر طعم السمن: فلا يحنث؛ للتلازم؛ حيث إنه إذا لم يظهر طعم الشيء المحلوف عليه يلزم منه: عدم الحنث؛ لأن وجود ما لم يظهر طعمه كعدمه، ويلزم من ظهور طعم الشيء المحلوف عليه: حنثه بأكله؛ نظرًا لأكله المحلوف عليه، كما لو أكله منفردًا.
(١٢) مسألة: إذا حلف عمرو: "لا يُكلِّم زيدًا" و"لا يدخل داره" فأكره على تكليم زيد، ودخول داره: فإنه لا يحنث إذا كلَّمه، أو دخل الدار؛ للسنة القولية: حيث قال ﵇: "عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" فعفى الشارع عن المكره مطلقًا؛ لكونه معذورًا في هذا الإكراه - وقد سبق هذا مرارًا -.