وإن أخطأ فله أجر" فيلزم من ذلك اشتراط بلوغ درجة الاجتهاد، فإن قلت: إنه إذا اشتُرط الشرط الأخير فإنه يؤدي إلى تعطيل حقوق الناس؛ للتلازم؛ حيث إن قلَّة وندرة البالغين لدرجة الاجتهاد يلزم منه ذلك قلتُ: هذا لا يُسلَّم؛ لأنه قد يعين الإمام الأعظم قضاةً ينظرون في الأمور، ويسمعون من الخصوم، ويكتبون ذلك، ثم يرسلون ما كتبوه إلى هيئة علماء قد بلغوا درجة الاجتهاد فينظر هؤلاء في القضية مرة أخرى، فيرسلوا إلى الأولين بالموافقة، أو المخالفة، أو الاستفسار عن بعض الأمور، أو استدعاء الخصوم إلى مقرّ تلك الهيئة، ويُعمل ببعض ذلك الآن في "مجلس القضاء الأعلى" أو "هيئة التمييز"، فإن قلت: لا يشترط الرابع، فيصلح الرقيق أن يكون قاضيًا، وهو لكثير من العلماء؛ للقياس؛ بيانه: كما أنه يصلح لإمارة سرية، ويصلح لقسم الصدقات، والفيء، وإمامة الصلاة: فكذلك يصلح للقضاء والجامع: الولاية في كل، قلتُ: هذا فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأن هذه الأشياء لا تأخذ منه وقتًا طويلًا، بخلاف القضاء، ثم لا نسلِّم أن تلك الأمور تصح منه بدون إذن سيده، فإن قلت: لا يُشترط الثامن، فيصلح أن يكون الأعمى قاضيًا؛ للتلازم؛ حيث إن معرفته لأوصاف الخصمين تكفي عن مشاهدتهما فيلزم صلاحيته له، قلتُ: إن الوصف لا يكفي عن المعاينة والمشاهدة؛ إذ في المشاهدة دلائل على ظهور الحق لا توجد في الوصف، وهذا معلوم بالضرورة، وكم من شخص اكتشف كذب شخص من ظاهره ونظرته، وبعض حركاته.
[فرع]: لا يجوز لأي شخص أن يقضي بمذهب إمامه، أو ما ذهب إليه كبار علماء مذهبه بدون أن يعتقد صحّته ولا يمكنه أن يدرك الصحيح من الباطل من الأحكام إلّا إذا كان صحيح النظر في الأدلة المتّفق عليها، والمختلف فيها، ولا يمكنه أن يكون كذلك إلّا إذا بلغ درجة الاجتهاد.