ويُستحب أن يشاورهم فيما يشكل عليه، فإن ظهر له حكم في قضية: حكم بها، وإن لم يظهر له الحكم فيها: فإنه يؤخر الحكم ويؤجل النظر في القضية إلى وقت آخر؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ حيث دلت هذه الآية بعمومها على وجوب مشاورة الإمام، أو القاضي للعلماء؛ لأن الأمر هنا مطلق فيقتضي الوجوب، الثانية: السنة الفعلية؛ حيث "كان النبي ﵇ يشاور أصحابه في كثير من القضايا منها: أسارى بدر، ومصالحة الكفار يوم الخندق" قال الحسن البصري: إن النبي ﵇ غني عن تلك المشاورة، وإنما أراد أن يستن بذلك الحكام بعده، الثالثة: فعل الصحابي؛ حيث استشار أبو بكر الناس في ميراث الجدة، واستشار عمر الناس في شارب الخمر، وفي دية الجنين، الرابعة: المصلحة؛ حيث إن جلوس الفقهاء مع القاضي فيه تذكير للقاضي لما نسيه من الأدلة؛ لأن الإحاطة بجميع الأدلة يكاد يكون متعذِّر، وقد يتنبّه لإصابة الحق، ومعرفة حكم الحادثة من هو دون القاضي فكيف بمن يساويه؟ فقد جاءت أبا بكر جدتان - أم أم، وأم أب - فورَّث أم الأم، وأسقط أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهل: يا خليفة رسول الله لقد أسقطت التي لو ماتت ورثها، وورَّثت التي لو ماتت لم يرثها، فرجع أبو بكر عن رأيه، وشرَّك بينهما، وكان هذا هو المسلك الذي سلكه كثير من المحققين المتقين من القضاة والحكّام.
[فرع]: إذا حكم القاضي في قضية فليس لأحد من الجالسين معه من الفقهاء الاعتراض عليه، وإن خالف اجتهاده، إلا أن يخالف ذلك الحكم الذي أصدره القاضي نصًا، أو إجماعًا؛ للمصلحة: حيث إن الاعتراض على حكم القاضي المعيَّن فيه إزالة الثقة به عند العامة، وهذا مضرّ به، أما إن كان ذلك الحكم مخالفًا لنص، أو إجماع: فلمن حضر من الفقهاء مخالفته؛ لأنه لا طاعة =