قال:"لعن رسول الله ﷺ الراشي والمرتشي" قال الترمذي: حديث حسن صحيح (وكذا) يحرم على القاضي قبول (هدية)؛ لقوله ﵇:"هدايا العمال غلول" رواه أحمد (إلا) إذا كانت الهدية (ممَّن كان يهاديه قبل ولايته إذا لم تكن له حكومة): فله أخذها كمفت، قال القاضي، ويسنُّ له التنزُّه عنها، فإن أحسَّ أنه يقدمها بين يدي خصومة، أو فعلها حال الحكومة: حرم أخذها في هذه الحالة؛ لأنها كالرشوة (٢٢)،
الغضب والجوع المانع من القضاء: كثيرًا، والجوع والعطش وغيرهما مما ذكر أن تكون شديدة. قلتُ: هذا لم أجد دليلًا قويًا عليه، بل مجرد حصول الغضب، أو الجوع أو العطش يكفي في المنع من القضاء، وهو الذي دلّ عليه إطلاق الحديث السابق.
(٢٢) مسألة: يحرم على القاضي أن يأخذ رشوة أو هدية من الخصمين، أو أحدهما، حتى لو كان أحد الخصمين معتادًا أن يهدي القاضي قبل تولية القضاء إذا كانت له قضية تحتاج إلى حكم من ذلك القاضي، أما إذا لم تكن له قضية: فيكره للقاضي أن يقبل ذلك؛ لقواعد: الأولى: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قول ابن عمر: "لعن رسول الله ﷺ الراشي، والمرتشي والرائش" فحرَّم الرشوة؛ لأنه توعد من فعلها باللعن، وهو عقاب، ولا يعاقب إلّا فعل محرم، ثانيهما: قوله ﵇: "هدايا العمّال غلول" حيث إن: هداياهم خيانة، والحكم بالخيانة عقاب، ولا يعاقب إلا على فعل حرام، فتكون الهدايا حرام، الثالثة: القياس؛ بيانه: كما يجوز للمفتي أن يأخذ الهدية مع الكراهة، فكذلك يجوز للقاضي أن يأخذ الهدية ممّن اعتاد أن يهديه قبل ولايته إذا لم يكن عنده حكومة له، فإن قلتَ: لِمَ حرّم ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن قبول الرشوة، والهدية يفضي إلى قضاء حاجته بسببها حيث إن من عادة النفس البشرية محبة الذي يهدي إليها شيئًا، أو يقضي لك حاجة، فإذا فعل ذلك بالقاضي: فإنه سينظر إلى الراشي، والمهدي بعين الرضا، وسينظر إلى من لم يرشه أو لم يهده بعين السخط، وهذا يؤثر على =