من حكم صالح للقضاء إلّا ما خالف نص كتاب الله، أو سُنة رسوله كقتل مسلم بكافر، وجعل من وجد عين ماله عند مفلس أسوة الغرماء، أو إجماعًا قطعيًا، أو ما يعتقده، فيلزم نقضه، والناقض له حاكمه إن كان (٢٩)(ومن ادَّعى على غير برزة) أي: طلب من الحاكم أن يحضرها للدعوى عليها: (لم تحضر) أي: لم يأمر الحاكم بإحضارها (وأُمرت بالتوكيل)؛ للعذر، فإن كانت برزة - وهي التي تبرز لقضاء حوائجها - أُحضرت، ولا يُعتبر محرم تحضر معه (وإن لزمها) أي: غير البرزة إذا
غير ذلك: عزله، ووضع شخصًا آخر، وإن لم يكن عليهم ولي ولا ناظر عيَّن من يراه مناسبًا لذلك ثم ينظر فيما شابه ذلك من الأمور التي تحتاج إلى عجلة في النظر؛ للمصلحة: حيث إن ذلك فيه إزالة ظلم عن المظلومين وفيه حفظ حقوق الضعاف الذين لا حول لهم ولا قوة، والحاكم ولي من لا ولي له فلزم تقديم النظر في تلك الأمور؛ جلبًا للمصالح، ودفعًا للمفسدة.
(٢٩) مسألة: إذا بدأ القاضي عمله، فوجد أن القاضي الذي سبقه قد قضى وحكم في قضايا: فلا يجوز للقاضي الجديد أن ينقض ما حكم به من سبقه إلا إذا كان ذلك الحكم قد خالف نصًا من كتاب أو سُنة، أو إجماعًا قطعيًا، أو خالف ما يعتقده ذلك القاضي الجديد: كأن يحكم القاضي القديم بأن يُقتل المسلم إذا قتل كافرًا، أو يحكم بأن من وجد عين متاعه عند مفلس: فإنه يساوى بالغرماء ونحو ذلك: فإن هذا يجب نقضه؛ للتلازم؛ حيث إن كون ذلك الحكم قد جاء مخالفًا لصريح نص، أو إجماع قطعي، أو اعتقاد خلافه يلزم منه: وجوب نقضه ومخالفته، وإعادة النظر في القضية فيحكم القاضي الجديد بما يراه في ذلك؛ فيُعمل قوله ﵇:"لا يُقتل مسلم بكافر" على عمومه، ويُعمل قوله ﵇:"من وجد متاعه عند رجل مفلس فهو أحقّ به". تنبيه: قوله: "والناقض له حاكمه إن كان" هذا لا يمكن؛ لأن الحاكم به يراه ولكن ينقضه من لا يراه، ونبّه على ذلك كثير من علماء الحنابلة وغيرهم المحققين.