كان قبل الاستيفاء (ويلزمهم الضمان) أي: يلزم الشهود الراجعين بذل المال الذي شهدوا به قائمًا كان أو تالفًا: لأنهم أخرجوه من يد مالكه بغير حق، وحالوا بينه وبينه (دون من زكَّاهم) فلا غرم على مزك إذا رجع المزكَّى؛ لأن الحكم تعلّق بشهادة الشهود، ولا تعلُّق له بالمزكِّين؛ لأنهم أخبروا بظاهر حال الشهود، وأما باطنه: فعلمه إلى الله تعالى (٣٣)(وإن حكم) القاضي (بشاهد ويمين، ثم رجع الشاهد: غرم) الشاهد (المال كله)؛ لأن الشاهد حجّة الدعوى، ولأن اليمين قول الخصم، وقول الخصم ليس مقبولًا على خصمه، وإنما هو شرط الحكم، فهو كطلب الحكم (٣٤)، وإن
(٣٣) مسألة: إذا شهد زيد وعمرو بأن محمدًا يطالب بكرًا بألف ريال، فحكم القاضي بذلك، ودفع بكر ذلك الألف لمحمد، ثم رجع زيد وعمرو بعد ذلك: فإن الحكم لا يُنقض ويلزم زيدًا أو عمرًا أن يضمنا ذلك المال، ويدفعاه إلى بكر، ولا شيء على من زكَّى وعدَّل زيدًا وعمرًا؛ للتلازم؛ حيث يلزم من تمام المشهود به للمشهود له بسبب الحكم بشهادة زيد وعمرو: عدم نقض الحكم، ويلزم من إخراج المال من يد مالكه بغير حق: أن يضمنا ذلك المال، ويلزم من تعلُّق الحكم بشهادة الشهود، دون المزكين الذين حكموا بالظاهر: عدم ضمان المزكين للشاهدين الراجعين عن الشهادة - وهما زيد وعمرو -.
(٣٤) مسألة: إذا شهد شاهد واحد، وحلف المدّعي يمينًا على دعواه، وقضى القاضي وحكم بذلك المال ثم رجع الشاهد: فإن ذلك الشاهد يغرم جميع ذلك المال؛ للتلازم؛ حيث إن كون الشاهد حجة الدعوى، واشتراط تقدم شهادته على اليمين وكون اليمين قول الخصم، ولا يقبل قول خصم على خصمه يلزم منه: تفرّد ذلك الشاهد بضمان وغرم كل المال الذي شهد فيه، فإن قلت: لِمَ اشترطت اليمين إذن هنا؟ قلتُ: لأنها شرط للحكم، فجرى مجرى مطالبة المدّعي للحاكم بالحكم.