للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبي هريرة: "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جُنُب" رواه مسلم، وعلم منه: أن المستعمل في الوضوء والغسل المستحبَّين طهور -كما تقدم-، وأن المستعمل في رفع الحدث إذا كان كثيرًا: طهور، لكن يكره الغُسل في الماء الراكد (٣٠)

= الحنابلة ومنهم المصنف؛ حيث إنه طاهر غير مطهر؛ للتلازم؛ حيث إن الماء الذي يُتطهر به هو: الماء المطلق، وعدم كون هذا الماء مطلقًا؛ حيث يقال مثلًا: "هذا ماء زعفران" يلزم منه: عدم صحة التطهر منه إذا كان الساقط من غير جنس الماء، أو لا يشق صون الماء منه، أو مازجه، أو قصد وضعه، قلتُ: هذا لا يلزم، بل يُطلق عليه اسم "الماء" نظرًا لكونه لم يُطبخ فيه فلم يمازجه. فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "هل هذا الماء مطلق أو لا؟ ". فعندنا مطلق، وعندهم لا.

(٣٠) مسألة: لا تصح الطهارة بماء قليل استعمله رجل في رفع حدثه؛ لكونه طاهرًا غير مطهر لقاعدتين: الأولى: السنة القولية؛ حيث قال : "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جُنُب" حيث دلّ منطوقه على تحريم الاغتسال عن الجنابة بالماء الراكد، وأنه لو اغتسل به لأفسده على غيره؛ لأن النهي مطلق، وهو يقتضي التحريم والفساد؛ حيث إنه لو لم يُفد منعه سلب الطهورية عن ذلك الماء: لما نهى عنه؛ إذ لا فائدة منه إلا ذلك، وهو من باب مفهوم الصفة، أو التلازم، الثانية: إجماع الصحابة؛ حيث إن الصحابة كانوا إذا أزالوا حدثهم بماء: أراقوه، أو استعملوه لغير الطهارة، فلو صح التطهر به -بعد استعماله- لما فعلوا ذلك، ولحرصوا على استعماله مرة أخرى لا سيما في الأسفار؛ إذ المياه تقل فيها، فإن قلتَ: لِمَ لا تصح الطهارة به؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن هذا الرجل قد أزال حدثه به، وانتقلت نجاسته إليه، وغلب على الظن وصولها إلى أجزاء الماء؛ لأنه قليل يحويه إناء، والنفوس تستقذر الماء الذي صفته كذلك، وما تستقذره النفوس لا يمكن أن يُتعبد الله به؛ ويكون أثره منعكس على نفسية ذلك المتطهر بالسوء والكراهية، وقد يتأدَّى بذلك؛ حيث سينتقل ما في الأول من الأوساخِ والأقذار والأمراض إلى المستعمل الثاني، فدفعًا لذلك شرع هذا، فإن قلتَ: لِمَ قُيِّد الماء بالقليل؟ قلتُ: لكونه =

<<  <  ج: ص:  >  >>