السنة القولية: حيث إن رجلًا جاء إلى النبي ﷺ قائلًا: إن أمي ماتت أينفعها إذا تصدَّقتُ عنها؟ قال:"نعم"، الثانية: السنة الفعلية؛ حيث إنه ﷺ كان يدعو لبعض الصحابة بعد موتهم كأبي سلمة، فلو لم يكن نافعًا لما دعا لهم، لكونه لا يفعل العبث والحي كالميت في ذلك، والأعمال الأخرى مثل الصدقة والدعاء؛ لعدم الفارق؛ من باب "مفهوم الموافقة"، فإن قلتَ: لمَ شُرِع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن هذا يُعتبر بابًا من أبواب الخير للأموات، يُخفِّف عنهم بعض ما يجدون من العذاب والضيق في القبور، فإن قلتَ: لا يصل إلى الميت شيء من الطاعات التي يفعلها له الحي، وهو قول الشافعي، وبعض العلماء؛ لقاعدتين: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ حيث أثبت للإنسان نفع سعيه، ونفى نفع سعي غيره وإن نواه له؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات؛ الثانية: السنة القولية؛ حيث قال ﷺ:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له" حيث أثبت انقطاع ما ينتفع المسلم به من الأعمال إذا مات، ونفى انقطاع ما أثبته هو لنفسه من وضعه للصدقة الجارية، أو العلم، أو الولد؛ لأن الاستثناء من الإثبات نفي، وعلى ذلك: فلا يصل إليه ما فعله غيره له من باب التلازم قلتُ: إن هذين النصّين عامان - "وهما الآية والحديث" -، وقد خُصِّصا بالسنة القولية، والفعلية اللَّتين ذكرناهما في أول المسألة فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض النصوص" فعندنا إن السنة القولية الأولى والسنة الفعلية قد خصَّصا عموم الكتاب والسنة القولية الثانية وعندهم: لم يقويا على تخصيصهما.