وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها"، ولا يلزم الرضى بمرض وفقر وعاهة، (٢٣٠) ويحرم بفعل المعصية، (٢٣١) وكره المصاب تغيير
للمصاب مما يجده، فإن قلتَ: يحرم البكاء على الميت، وهو قول لبعض العلماء، للسنة القولية؛ حيث قال ﷺ: "إن الميت ليُعذَّب ببكاء أهله عليه" حيث إنه هنا حرم البكاء عليه؛ لأنَّه يلزم منه تعذيب الميت بسببه، ويحرم تعذيب الآخرين، أو التَّسبُّب في ذلك، وهذا عام للبكاء الطبيعي، وغيره قلتُ: إن المراد من التعذيب الوارد في الحديث: هو تعذيب همٍّ وألم وتضايق؛ حيث إن الميت يتألم لأجلهم إذا بكوا عليه، ويتعذَّب رأفةً ورحمةً بهم، وليس المراد به أن الميت يُعاقب فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض السنة الفعلية مع السنة القولية" فعندنا: يعمل بالفعلية؛ لضعف القولية، وعندهم: يعمل بالقولية.
(٢٣٠) مسألة: يجب على المسلم أن يرضى بما أصابه من المصائب من موت أحد أقربائه، أو مرض، أو فقد مال، أو نزول عاهة، أو نحو ذلك، وأن يصبر على ذلك كله، ويُستحب أن يقول عند ذلك: "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها" وأن يتسبَّب في معالجة المرض والعاهة من أكل أدوية، ودعاء ونحو ذلك، وإن شكر الله على ما أصابه فهو من أعظم الصابرين؛ لقواعد: الأولى: الكتاب؛ حيث قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ حيث مدحهم على هذه المقالة؛ حيث تضمَّنت الإقرار والإيمان على أن جميع من في الوجود سيرجع إلى الله تعالى لا محالة الثانية: السنة القولية؛ حيث قال ﷺ: "ما من عبد تُصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها إلا أجره الله في مُصيبته وأخلف له خيرًا منها"، الثالثة: المصلحة؛ حيث إن حمد الله وشكره على المصيبة يُعتبر صبرًا وزيادة، وهو أعظم الإيمان بقضاء الله وقدره، واليقين بأن ما أصابه لم يكن ليُخطئه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبه، واليقين بأنه لو اجتمع الإنس والجن على أن يضروه بشيء لم يكتبه الله عليه لن يستطيعوا ذلك - كما ورد في الحديث - وبهذا يسعد في دنياه وأخرته، ولا يلهث وراء هذه الدنيا، بل يتجه إلى الله ﷿ في كل أموره وكذا: فعل أسباب المعالجة من أي مرض مطلوب شرعًا، فإن قلتَ: يُستحب الرضى والصبر - وهو ما ذكره المصنف - قلتُ: لم أجد دليلًا على هذا الاستحباب.
(٢٣١) مسألة: يحرم على المسلم أن يرضى بفعل المعصية منه أو من غيره، للتلازم؛ حيث يلزم من وجوب إزالة المعاصي: تحريم الرضى بفعلها.