للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الوجه الأول: وهو تكرار اللفظ للتأكيد والتثبيت فهو شريعة مطروقة، وعادة مألوفة من ألفاظ العرب ومعانيها, وليس مما يجري على وجه السهو والإهمال، ولا على قضية الشذوذ والاتفاق، بل هو عندهم لأمرمهم، وشأن مطلوب، وما أكثرهم في القرآن العزيز وأبلغه، وليس الغرض منه تأكيدا محضًا، ألا ترى أن الآية التي استدل بها الخطّابي فيها من الغرض ما لم يذكره، وهو أن السامع إذا طرق سمعه كلام فأصغى إليه، فإن كان مختصراً ربما لم ينتبه له، وإن كان مُشكلًا ربما لم يفهمه، أو كان السامع مشغولًا بأمر في فكره أو شيء ينظر إليه، فيقضي المتكلم كلامه ويفرغ منه، ولعل المخاطب يعلم انتهاءه وفراغه، فإذا راجع نفسه لم يدرك ما فاته، فجعل تكرار اللفظ مانعًا من هذه الحال، دافعًا ومنبهًا على هذا العارض، فإن السامع إذا رأى المتكلم مكررًا معيدًا ما نطق به تنبه له فأدرك ما فاته وعرف ما جهله، فقوله عز من قائل: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (١) لو اقتصر على ذلك ربما أن المخاطب سمع الثلاثة ولم يسمع السبعة أو بالعكس، فكان يفوتة أحد الأمرين، أو أنه سمع الأمرين معاً لكنه حق عليه تفريقهما والإقدام على السبب الموجب لهما، وربما كان السامع مع جماعة فسمع بعضهم دون بعض لذهوله عن الخطاب المختصر، فيقع النزاع بينهم، وذلك جميعه مع قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (١) منتفٍ ولأن الواو قد تقع للإباحة، تقول: جالست زيدًا وعمروًا، إلا أنه لو جالسهما معا مجتمعين ومتفرقين أو أحدهما كان ممتثلاً، وكذلك هذه لولا قوله: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (١) لجاز أن يتوهم أنه مخير في صوم الثلاثة في الحج أو السبعة بعد الرجوع، وهذا النوع من الكلام يسمى "الفذلكة" أي فذلك كذا وكذا، وفائدة الفذلكة في الحساب: أن يُعلم العدد جُملةَ كما [عُلم] (٢) تفصيلًا ليحاط من جهتين فيتأكد العلم، وهذا معنى مطرد


(١) [البقرة: ١٩٦].
(٢) سقط من الأصل والمثبت من "تفسير الزمخشري" وهو مقتضى السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>